الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أغضب أباه فدعا عليه ثم استسمحه فسامحه فهل يستجاب دعاء والده

السؤال

جزاكم الله خيرا. كنت أتحدث مع أبي في أمر معين، ولكني قد أسأت الأدب في طريقة كلامي معه، فبعد ذلك غضب جدا وقال لي: الله يلعنك، وقال لي: الله يدخلك النار. وبعد ذلك اعتذرت إليه وقبلت رجله، وسامحني ودعا لي. هل علي إثم؟ وهذه الدعوات هل تستجاب وأكون ملعونا. وبماذا تنصحوني؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد أمرنا الله بمخاطبة الوالدين بالأدب والرفق والتواضع والتوقير، ونهى عن زجرهما وإغلاظ القول لهما، قال تعالى : .. فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا. الإسراء(23،24)

قال القرطبي: (وقل لهما قولا كريما ) أي لينا لطيفا مثل: يا أبتاه ويا أمّاه من غير أن يسميهما ويكنيهما، قال عطاء وقال ابن البداح التجيبي : قلت لسعيد بن المسيب كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله : وقل لهما قولا كريما ما هذا القول الكريم قال ابن المسيب : قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ . الجامع لأحكام القرآن.

لكن ما دمت قد تبت مما وقعت فيه من الإساءة لوالدك وأرضيته فأبشر خيرا، فإن الله يقبل التوبة ويعفو عن السيئات، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما أن دعاء والدك عليك حال غضبه لا يضرك –إن شاء الله- فمن فضل الله أنّ مثل هذا الدعاء لا يستجاب، قال تعالى : {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ...} يونس (11).

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده: أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم -والحالة هذه -لطفا ورحمة. تفسير ابن كثير.

لكن ننبه الوالد إلى أن عليه أن يجتنب لعنك والدعاء عليك ، فعن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ..لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لاَ تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ. رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم : " ... وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ ..." متفق عليه.

قال البيجرمي: وَاعْلَمْ أَنَّ لَعْنَ الْمُسْلِمِ الْمُعَيَّنِ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. حاشية البجيرمي على الخطيب.

ونصيحتنا لك أن تجتهد في بر والديك فإنه من أفضل الأعمال التي يحبها الله، واحذر أن يستدرجك الشيطان وتغلبك نفسك فتعود إلى الإساءة إلى والدك، فجاهد نفسك واصبر واستعن بالله، واعلم أنّ الأخلاق تكتسب بالتعود والتمرين، فعن أبي الدرداء قال: العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه. رواه الخطيب في تاريخه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني