الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما الحكم إذا ادعى رب المال القراض وادعى آخذه القرض

السؤال

شخص أعطى والده مبلغا للمساهمة في شراء أرض منذ حوالي عشرين عاما، وفي العهد القريب اقترض الولد مبلغا من والده لشراء قطعة أرض، وعندما جلسا ليتحاسبا طالب الولد بنصيبه من أرض الوالد كشريك فيها، ولكن والده رفض وقال لم أقترض منك على سبيل الشراكة ولكنها سلفة لأجل لم يحدد، وأقسم على ذلك، وكذلك الولد أقسم على أن الوالد أخبره من قبل أنه شريك في الأرض، ولذلك رفض الولد تسديد دينه الحالي لوالده. والآن توفي الوالد وأصبح الموضوع معقدا ـ لا أوراق ولا شهود ـ والورثة في مشكلة، ويطالبون الولد بتسديد دين والدهم ليدخل في حصر التركة، فما الحل؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله الرحمة لوالدكم، وأن يحسن عزاءكم فيه. وننصحكم بداية بحل المسألة وديا، فالأخوة لا تباع بالمال ولا خير في الدنيا إذا فرقت بين الإخوان، فهي مجرد عرض زائل وسراب بقيعة، ووشائج الرحم وأواصر القرابة ينبغي أن تكون فوق كل اعتبار مادي، والمحافظة عليها واجبة. وقد صرح الفقهاء بأن على القاضي أمر الخصوم بالصلح إذا خيف حصول الشقاق بين الأرحام قال ابن عاصم في التحفة:

والصلح يستدعي له إن أشكلا * حكم وإن تعين الحق فلا

ما لم يخف بنافذ الأحكام * فتنة أو شحنا أولي الأرحام.

وما أحسن هدي الصحابة عند النزاع فقد كان الواحد منهم يتحرج من الحق الذي يشتبه عليه ويقول حقي لأخي، فقد روى الإمام أحمد عن أم سلمة قالت: جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواريث بينهما قد درست، ليس بينهما بينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم تختصمون إلي، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم ألحن بحجته أو قال لحجته من بعض، فإني أقضي بينكم على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار، يأتي بها أسطاما في عنقه يوم القيامة، فبكى الرجلان، وقال كل واحد منهما: حقي لأخي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إذا قلتما فاذهبا فاقتسما، ثم توخيا الحق، ثم استهما، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.

وأما مسألتكم المذكورة فأنتم متفقون ـ حسب الظاهر ـ على أن الوالد أخذ المال من ابنه المذكور، وإنما الخلاف هل أخذه على سبيل القرض أو على سبيل الاستثمار لابنه بشراكته معه في الأرض، وليست هناك بينة لواحد منهما، وقد اختلف الفقهاء فيما إذا ادعى رب المال القراض في المال وادعى آخذه القرض، فقيل يقدم قول رب المال، وقيل يقدم الآخذ, وقيل يقدم مدع القرض، قال السيوطي في الأشباه والنظائر: قاعدة: الأصل العدم ـ فيها فروع: منها لو قال المالك: قراضا، وقال الآخر قرضا وذلك عند بقاء المال وربحه, فلم أر فيها نقلا, والظاهر أن القول قول مدعي القرض أيضا لأمور، منها: أنه أغلظ عليه، لأنه بصدد أن يتلف المال أو يخسر, ومنها أن اليد له في المال والربح, ومنها: أنه قادر على جعل الربح له, بقوله: اشتريت هذا لي, فإنه يكون القول قوله, ولو اتفقا على أن المال قراض, فدعواه أن المال قرض يستلزم دعواه أنه اشتراه له, فيكون ربحه له.. اهـ.

وقال الشيخ زكريا الأنصاري في شرج البهجة: لو قال المالك: قراضا, والآخذ: قرضا، صدق الآخذ كما جزم به بعضهم ويترتب عليه أحكام القرض, وأفتى به شيخنا الشهاب الرملي وبأنه لا أجرة له ولا يقبل قوله في الرد مؤاخذة له بمقتضى دعواه، فلو أقاما بينتين اتجه تقديم بينة الآخذ, لأن معها زيادة علم على قياس ما تقدم عن أبي زرعة, وغيره .... اهـ.

وفي فتاوى الرملي: أنه سئل عن شخص ادعى على آخر أنه دفع له مبلغا على سبيل القراض الشرعي فأجاب بأنه ما دفعه له إلا قرضا، فهل القول قول رب المال أو الآخذ، فإن قلتم القول قول رب المال، فهل يلزم الآخذ القيام لرب المال بربحه أم لا؟ وهل القول قوله في دفع المال لربه مع إقراره بأنه قرض أم لا؟ فأجاب بأن القول قول المدعى عليه بيمينه لا قوله، فإذا حلف كان المال وربحه له وبدل القرض في ذمته ولا يقبل قوله في دفع المال لربه إلا ببينة. اهـ.

وقال البهوتي في شرح منتهى الإرادات: ويقبل قول مالك في صفة خروجه عن يده، فإن قال: أعطيتك ألفا قراضا على النصف من ربحه, وقال العامل: بل قرضا لا شيء لك من ربحه، فقول رب المال، لأن الأصل بقاء ملكه عليه، فإن حلف قسم الربح بينهما وإن خسر المال أو تلف فقال ربه كان قرضا, وقال العامل كان قراضا أو بضاعة، فقول ربه أيضا، لأن الأصل في القابض لمال غير الضمان، فلو أقاما بينتين أي: أقام كل واحد منهما بينة بدعواه قدمت بينة عامل، لأن معها زيادة علم، لأنها ناقلة عن الأصل، ولأنه خارج، وإن قال رب المال كان بضاعة، وقال العامل كان قرضا حلف كل منهما على إنكار ما ادعاه خصمه وكان له أجرة عمله لا غير. اهـ.

وقال الخرشي في شرح المختصر: لو قال رب المال دفعته إليك قراضا، وقال العامل بل قرض، صدق العامل، لأن رب المال هنا مدع في الربح فلا يصدق، والحاصل أن القول قول من ادعى القرض منهما. اهـ.

وقال عليش: لو قال رب المال قراضا وقال العامل بل سلفا صدق العامل، لأن رب المال مدع هاهنا في الربح فلا يصدق. اهـ.

فإذا تقرر أن المسألة محل خلاف بين أهل العلم تأكد في حقكم الصلح ونبذ الخلاف فإن أبيتم ذلك تعين عليكم رفع القضية إلى القضاء الشرعي.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني