الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سبيل الإصلاح بين الأرحام وفضل الإحسان إليهم لقلع العداوة

السؤال

حدثت مشكلة بيننا وبين أبناء عمنا الذين هم جيراننا في نفس الوقت منذ كنا في مرحلة الدراسة، واليوم أنهينا مرحلة الجامعة بسبب مشاكل بيننا، وبين أبناء العم، تدخل العم واعتدى بالضرب المبرح علينا وأهاننا فكانت نهاية الصلة بيننا، لكن بقيت صلة الوالد بأخيه قائمة، إلا أننا نلقي عليهم التحية في تجمعات العائلة إذا التقينا، وهذا نادر، فهل يعتبر هذا قطيعة للرحم؟ وهل علينا إثم في ذلك؟ وما السبيل إلى الإصلاح؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأصل أن لأبناء عمكم هؤلاء عليكم حقوقا ثلاثة هي: حق الإسلام، وحق القرابة، وحق الجوار، ولكم عليهم مثل الذي لهم عليكم، فلا يجوز لأحد منكم أن يظلم أحدا ولا أن يسيء إليه ولا أن يلحق به ضررا في بدنه، ولا في عِرْضه ولا عَرَضه، ومن فعل من ذلك شيئا فعليه وزره، وبناء على ما تقدم نقول: فلا ينبغي أن تبقى الصلة بينكم مقطوعة وبقاء الهجر بينكم دون مسوغ، فذلك باب إثم يلحق كل من سعى فيه منكم أو منهم، وحري أن تعلموا أن الصلح والعفو خير من اللجاجة والتمادي في القطيعة، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 113419، 109519، 53017.

أما عن سبيل الإصلاح: فباب الصلح واسع، وسبيله أن تمدوا اليد لذلك وتخفضوا جناح اللين، وتصبروا على ما يبدر من الأذى من هؤلاء، وتدفعوا سيئتهم بالحسنى، وتحاولوا لمّ الشمل وإعادة الأمر إلى ما كان عليه، فقد قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.

قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: فيعلم أن الإحسان ناجع في اقتلاع عداوة المحسن إليه للمحسن على تفاوت مراتب العداوة قوة وضعفا وتمكنا وبعدا، ويعلم أنه ينبغي أن يكون الإحسان للعدو قويا بقدر تمكن عداوته، ليكون أنجع في اقتلاعها، ومن الأقوال المشهورة: النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها.

لكن إذا وصلتم هؤلاء فلحقكم بذلك منهم أذى فليس إثما ولا قطيعة رحم حينئذ أن تبتعدوا عنهم وتتقوا مخالطتهم احتراسا من أذاهم وتكتفوا بالسلام ونحوه عند التلاقي، فمثل هذا الهجر جميل جائز لا يلحق الإثم من فعله، قال الحافظ ابن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصًا على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه أو دنياه، فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية.

وقال الطاهر ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: الهجر الجميل هو الذي يقتصر صاحبه على حقيقة الهجر، وهو ترك المخالطة فلا يقرنها بجفاء آخر أو أذى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني