الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تقبل حسنات مرتكب الكبائر

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل يستطيع الإنسان أن يزود رصيد حسناته وهو مرتكب كبائر كالنميمة والزنا والسرقة وغيرها وهل يقبل الله منه؟ وهل يوجد إنسان يدخل الجنة وهو مصر على معاص كبيرة ولكن ترجح كفة حسناته؟
وتمنياتي لكم بالتوفيق.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالكبائر لا تحبط جميع الحسنات، ولا تمنع قبولها، ولكن قد تُحبط من الحسنات بقدرها عند وزن أعماله، فإن رجحت حسناته على سيئاته كان من أهل الثواب، وإن رجحت سيئاته على حسناته كان من أهل العقاب، كما في الحديث الذي رواه البخاري في "الأدب المفرد" ورواه أيضاً غيره عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة وهما يسير ومن يعمل بهما قليل. قيل: وما هما يا رسول الله؟ قال: يُكبِّـر أحدكم في دبر كل صلاة عشرًا، ويحمد عشرًا، ويسبح عشرًا، فذلك خمسون ومائة على اللسان وألف وخمسمائة في الميزان، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعدهنَّ بيده، وإذا أوى إلى فراشه سبحه وحمده وكبره، فتلك مائة على اللسان وألف في الميزان، فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة، قيل: يا رسول الله كيف لا يحصيهما. قال: يأتي أحدكم الشيطان في صلاته فيذكره حاجة كذا وكذا فلا يذكره. قال الألباني : صحيح. فدل هذا الحديث على وزن الحسنات والسيئات والمقاصة بينهما، وقد قرر أهل العلم أنه لا يحبط جميع الحسنات إلا الكفر، كما لا يحبط جميع السيئات إلا التوبة، فصاحب الكبيرة إذا أتى بحسنات يبتغي بها رضا الله أثابه الله ذلك، وإن كان مستحقًا العقوبة العظيمة على كبيرته. وبهذا تعلم أن مرتكب الكبائر يمكنه أن يزيد رصيده من الحسنات وأن الله يقبلها منه، وأن من رجحت كفة حسناته على كفة سيئاته إذا اتقاه فيها وعملها خالصة لوجهه دخل الجنة. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن رجل مسلم يعمل عملاً يستوجب أن يبنى له قصر في الجنة ويغرس له غراس باسمه، ثم يعمل ذنوبًا يستوجب بها النار، فإذا دخل النار كيف يكون اسمه أنه في الجنة وهو في النار؟ فأجاب: وإن تاب عن ذنوبه توبة نصوحاً فإن الله يغفر له ولا يحرمه ما كان وعده بل يعطيه ذلك، وإن لم يتب وزنت حسناته وسيئاته، فإن رجحت حسناته على سيئاته كان من أهل الثواب، وإن رجحت سيئاته على حسناته كان من أهل العذاب. وما أعد له من الثواب يحبط حينئذ بالسيئات التي زادت على حسناته، كما أنه إذا عمل سيئات استحق بها النار ثم عمل بعدها حسنات تذهب السيئات. والله أعلم. ولكن ينبغي أن يعلم أن الإصرار على المعاصي ولاسيما الكبائر سبب لسوء الخاتمة والعياذ بالله، كما قال تعالى: فَلْيَحَذَرِ الْذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبُهُمْ فَتْنَةٌ أَوْ يُصِيبُهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[النور:]. وفي مسند أحمد وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى يعلو قلبه ذاك الرين الذي ذكر الله عز وجل في القرآن كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[المطففين:] قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده قوي. ولذا قال بعض السلف: المعاصي بريد الكفر. كما أن الحمى بريد الموت. وفي مسند أحمد وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو على المنبر: ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر الله لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده حسن. فعلى من ابتلي بشيء من الكبائر أن يبادر إلى التوبة قبل أن يختم له بسوء عياذًا بالله من ذلك. وراجع للأهمية الفتوى رقم: 24874، والفتوى رقم: 28748. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني