الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجمع بين قوله تعالى

السؤال

كيف تجمع بين قوله تعالى:( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) وقوله تعالى:( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر)؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ففي الجمع بينهما قولان: الأول: أن قوله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:2]، ناسخ لقوله تعالى: وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ [الأحقاف:9]. قال القرطبي في تفسيره: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم يريد يوم القيامة، ولما نزلت فرح المشركون واليهود والمنافقون، وقالوا: كيف نتبع نبياً لا يدري ما يفعل به ولا بنا وأنه لا فضل له علينا، ولولا أنه ابتدع الذي يقوله من تلقاء نفسه لأخبره الذي بعثه بما يفعل به، فنزلت ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فنسخت هذه الآية وأرغم الله أنف الكفار، وقالت الصحابة: هنيئاً لك يا رسول الله، لقد بين الله لك ما يفعل بك، يا رسول الله فليت شعرنا ما هو فاعل بنا، فنزلت ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار، ونزلت وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً، قاله أنس وابن عباس وقتادة وعكرمة والضحاك.. انتهى. والثاني: أنه ليس هناك نسخ، وقوله: ما أدري ما يفعل بي... إنما هو في الدنيا، قال القرطبي: الآية ليس بمنسوخة لأنها خبر، قال النحاس محال أن يكون في هذا ناسخ ومنسوخ من جهتين: أحدهما: أنه خبر، والآخر: أنه من أول السورة إلى هذا الموضع خطاب للمشركين واحتجاج عليهم وتوبيخ لهم، فوجب أن يكون هذا أيضاً خطاب للمشركين كما قبله وما بعده، ومحال أن يقول للمشركين ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة، ولم يزل من أول مبعثه إلى مماته يخبر أن من مات على الكفر مخلد في النار ومن مات على الإيمان واتبعه وأطاعه فهو في الجنة، فقد رأى ما يفعل به وبهم في الآخرة، وليس يجوز أن يقول ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة، فيقولون كيف نتبعك وأنت لا تدري أتصير إلى خفض ودعة أم إلى عذاب وعقاب، والصحيح في الآية قول الحسن: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا، قال أبو جعفر: وهذا أصح قول، وأحسنه لا يدري ما يلحقه وإياهم من مرض وصحة ورخص وغلاء وغنى وفقر ومثله... انتهى. وهذا القول هو الأقرب إلى الصواب. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني