الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من تأخر في تلقين الكافر الإسلام عند طلبه ذلك منه

السؤال

قال ابن العطار في [ أدب الخطيب ]: " ومما يجب على الخطيب المبادرة إليه، واجتناب تركه أنه إذا أتاه كافر من يهودي، أو نصراني، ونحوهما؛ ليسلم على يديه أن يجيبه على الفور، والحذر من تأخيره لحظة، ولو قطع الخطبة بذلك، فإنه إن أخره لحظة، فقد رضي ببقائه على الكفر لحظة، ومن رضي بذلك كفر، وصار الراضي به مرتدا، وهذا لا أعلم فيه خلافًا"، هل قوله: "وهذا لا أعلم فيه خلافًا" يعني نقل الإجماع القطعي، أو السكوتي على كفر من أخر إسلام كافر؟
وإن كان، فهل نقله صحيح فعلًا، وهناك إجماع على هذا، أم لا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن المسألة التي نسبتَها لابن العطّار ليست محل إجماع.

فقد قال النووي في المجموع: إذا أراد الكافر الإسلام، فليبادر به، ولا يؤخره للاغتسال، بل تجب المبادرة بالإسلام، ويحرم تحريما شديدا تأخيره؛ للاغتسال، وغيره، وكذا إذا استشار مسلما في ذلك حرم على المستشار تحريما غليظا أن يقول له: أخره إلى الاغتسال، بل يلزمه أن يحثه على المبادرة بالإسلام، هذا هو الحق، والصواب، وبه قال الجمهور، وقد قال صاحب التتمة في باب الردة: لو رضي مسلم بكفر كافر بأن طلب كافر منه أن يلقنه الإسلام، فلم يفعل، أو أشار عليه بأن لا يسلم، أو أخر عرض الإسلام عليه بلا عذر صار مرتدا في جميع ذلك؛ لأنه اختار الكفر على الإسلام، وهذا الذي قاله إفراط -أيضا- بل الصواب أن يقال: ارتكب معصية عظيمة. اهـ.

وأيضا، فإن قول ابن العطار: وهذا لا أعلم فيه خلافًا. لا يدل على الإجماع، كما قال كثير من أهل العلم.

جاء في البحر المحيط للزركشي: [مسألة قول القائل: لا أعلم فيه خلافا، هل هو إجماع]، قول القائل: لا أعلم خلافا بين أهل العلم في كذا. قال الصيرفي: لا يكون إجماعا؛ لجواز الاختلاف، وكذا قال ابن حزم في الإحكام. وقال في كتاب الإعراب ": إن الشافعي نص عليه في الرسالة "، وكذلك أحمد بن حنبل. قال الصيرفي: وإنما يسوغ هذا القول لمن بحث البحث الشديد، وعلم أصول العلم، وحمله، فإذا علم على هذا الوجه، لم يجز الخروج منه؛ لأن الخلاف لم يظهر، ولهذا لا نقول للإنسان: عدلٌ قبل الخبرة، فإذا علمناه بما يعلم به مسلم حكمنا بعدالته، وإن جاز خلاف ما علمناه. وقال ابن القطان: قول القائل: لا أعلم خلافا يظهر، إن كان من أهل العلم، فهو حجة، وإن لم يكن من الذين كشفوا الإجماع، والاختلاف، فليس بحجة، وقال الماوردي: إذا قال: لا أعرف بينهم خلافا، فإن لم يكن من أهل الاجتهاد، وممن أحاط علما بالإجماع، والاختلاف، لم يثبت الإجماع بقوله، وإن كان من أهل الاجتهاد، فاختلف أصحابنا، فأثبت الإجماع به قوم، ونفاه آخرون. قال ابن حزم: وزعم قوم أن العالم إذا قال: لا أعلم خلافا، فهو إجماع، وهو قول فاسد، ولو قال ذلك محمد بن نصر المروزي، إنا لا نعلم أحدا أجمع منه لأقاويل أهل العلم، ولكن فوق كل ذي علم عليم. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني