الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التكفير عن اليمين بكسر الهاتف والتصدق بألف جنيه

السؤال

حلفت على القرآن أني لن أفعل ذنباً معينا، وأني إذا فعلت ذلك الذنب سوف أكسر الهاتف عقاباً لي، وأتصدق بألف جنيه، وحلفت أني لن أكفر عن اليمين، إلا بكسر الهاتف، والتصدق بالألف جنيه، كما قلت، وليس بصيام الثلاثة أيام. والآن قد وقعت في الذنب، ولا أستطيع أن أكسر الهاتف، أو أتصدق بالمال؛ لأني أحتاجه في دراستي، ولا أملك غيره، ولا أعرف ماذا أفعل، وكيف أتوب؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يغفر لك. والواجب عليك التوبة إلى الله -تعالى- من ذلك الذنب، بالندم على ما فعلت، والإقلاع عنه، والعزم على عدم العودة إليه.

وأما اليمين على التصدق بألف، فلا يجب عليك الوفاء بها، بل يستحب. وأما اليمين على كسر الهاتف، فلا يجوز لك الوفاء به؛ لأن إتلاف المال بغير فائدة محرم، ففي الحديث المتفق عليه عن المغيرة بن شعبة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن إضاعة المال.

قال القرطبي في «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم»: (إضاعة المال): إتلافه، وإهلاكه، كما قد حكي عن بعض جُهَّال المتزهدة أنَّه رمى مالًا كان عنده، وحرَّق آخر منهم كتب علم الحديث كانت عنده، وربما أمر بهذا بعض الشيوخ الجُهَّال، وهذا محرَّم بإجماع الفقهاء. اهـ

وأما حلفك على عدم التكفير عن هذين اليمينين، فلا يوجب عليك الوفاء بهما.

فاليمين التي يجب الوفاء بها: هي ما كانت على فعل واجب، أو ترك محرم.

جاء في مطالب أولي النهى للرحيباني: فمن حلف على فعل مكروه، أو حلف على ترك مندوب، سن حنثه، وكره بره؛ لما يترتب على بره من ترك المندوب قادرا، ومن حلف على فعل مندوب، أو ترك مكروه، كره حنثه، وسن بره؛ لما يترتب على بره من الثواب بفعل المندوب، وترك المكروه امتثالا، ومن حلف على فعل واجب، أو على ترك محرم، حرم حنثه؛ لما فيه من ترك الواجب، أو فعل المحرم، ووجب بره، لما مر. ومن حلف على فعل محرم، أو ترك واجب، وجب حنثه؛ لئلا يأثم بفعل المحرم، أو ترك الواجب، وحرم بره؛ لما سبق، ويخير من حلف في مباح ليفعلنه، أو لا يفعله، بين حنثه، وبره، وحفظها فيه أولى من حنثه؛ لقوله تعالى: واحفظوا أيمانكم {المائدة: 89}. اهـ.

وتكفيك كفارة واحدة عن تلك الأيمان، جاء في مطالب أولي النهى للرحيباني: ومن لزمته أيمان موجبها واحد، ولو على أفعال نحو: والله لا دخلت دار فلان، والله لا أكلت كذا، والله لا لبست كذا، وحنث في الكل قبل تكفير، فكفارة واحدة نصا؛ لأنها كفارة من جنس، فتداخلت كلها، كالحدود من جنس -وإن اختلفت محالها-، كما لو زنا بنساء، أو سرق من جماعة، وكذا حلف بنذور مكررة أن لا يفعل كذا، وفعله، أجزأه كفارة واحدة؛ لأن الكفارة للزجر، والتطهير، فهي كالحدود، بخلاف الطلاق. وإن حنث في يمين واحدة، وكفر عنها، ثم حلف يمينا أخرى، لزمته كفارة ثانية، وكذا لو كفر عن الثانية، ثم حلف يمينا أخرى، لزمته كفارة ثالثة، وهلم جرا؛ لوجوب كل واحدة عليه بالحنث بعد أن كفر عن التي قبلها، كما لو وطئ في نهار رمضان، فكفر، ثم وطئ فيه أخرى، بخلاف ما لو حنث في الكل قبل أن يكفر كما تقدم .اهـ. وانظر الفتوى: 394996.

واعلم أن المسلم لا ينبغي له أن يكثر من الحلف؛ فإن كثرة الحلف تحرج الحالف، وتضيِّق عليه، وربما عرضته لعدم حفظ اليمين المأمور به شرعًا، قال -تعالى-: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ {المائدة:89}.

قال ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: جرى معتادهم بأن يقسموا، إذا أرادوا تحقيق الخبر، أو إلجاء أنفسهم إلى عمل يعزمون عليه؛ لئلا يندموا عن عزمهم، فكان في قوله: {واحفظوا أيمانكم}، زجر لهم عن تلك العادة السخيفة. وهذا الأمر يستلزم الأمر بالإقلال من الحلف؛ لئلا يعرض الحالف نفسه للحنث. والكفارة ما هي إلا خروج من الإثم. وقد قال تعالى لأيوب عليه السلام: {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث}، فنزهه عن الحنث بفتوى خصه بها. اهـ.

وراجع لمزيد الفائدة عمّا يعين على ترك المعاصي، الفتوى: 114475 وعن خطورة المعاصي، ومفاسدها، انظر الفتوى: 206275.

والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني