الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الرد على بعض أدلة القائلين بطهارة الخمر

السؤال

ما رد القائلين بنجاسة الخمر على الاستدلال بأن الصحابة أهرقوا الخمور في الطرقات حينما حُرِّمت. ومن المعلوم أن رمي النجاسات في الطرقات محرم؟
وما الرد على أن الآية الكريمة تحدثت أيضا عن الميسر والأنصاب، وهما ليسا نجسين نجاسة عينية؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن عامة العلماء على أن الخمر نجسة العين.

قال القاضي عياض في إكمال المعلم: كافة ‌السلف ‌والخلف ‌على ‌نجاسة ‌الخمر -والدليل على نجاستها مع إجماع الكافة عليها قديمًا وحديثًا إلا من شذ- تحريم بيعها. اهـ.

وأما ما يتعلق بقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {المائدة: 90}

فإن طهارة عين مال الميسر والأنصاب والأزلام الحسية -بدلالة الإجماع- لا تقتضي طهارة الخمر. فالمقرر في الأصول: أن خروج بعض ما تناوله العام بمخصص من المخصصات لا يسقط الاحتجاج بالعام في الباقي.

قال الأمين الشنقيطي في أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: وجماهير العلماء على أن ‌الخمر نجسة العين؛ لما ذكرنا. وخالف في ذلك ربيعة والليث، والمزني صاحب الشافعي، وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين؛ كما نقله عنهم القرطبي في تفسيره.
واستدلوا لطهارة عينها بأن المذكورات معها في الآية من مال ميسر، ومال قمار، وأنصاب، وأزلام ليست نجسة العين، وإن كانت محرمة الاستعمال.
وأجيب من جهة الجمهور بأن قوله: {رِجْسٌ} يقتضي ‌نجاسة العين في الكل، فما أخرجه إجماع، أو نص خرج بذلك، وما لم يخرجه نص، ولا إجماع لزم الحكم بنجاسته؛ لأن خروج بعض ما تناوله العام بمخصص من المخصصات لا يسقط الاحتجاج به في الباقي، كما هو مقرر في الأصول، وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود:
وهو حجة لدى الأكثر إن … مخصص له معيناً يبن. اهـ.

وأما إراقة الصحابة للخمر فلا حجة فيه على طهارة الخمر.

وقد فصّل القرطبي في المفهم هذا، فقال: الجواب: أن الصحابة -رضي الله عنهم- فعلت ذلك لضرورة الحال؛ لأنهم لم تكن لهم سروب، ولا آبار يريقونها فيها؛ إذ الغالب من حالهم: أنهم لم تكن لهم كنف في بيوتهم. وقالت عائشة رضي الله عنها: إنهم كانوا يتقذرون من اتخاذ الكنف في البيوت. ‌

ونقلها ‌إلى ‌خارج ‌المدينة ‌فيه ‌كُلفة، ومشقة، ويلزم منه تأخير ما وجب على الفور، فالتحق صبها في الطرق بالنجاسات التي لا تنفك الطرق عنها، كأرواث الدواب، وأبوالها.

وأيضا: فإنها يمكن التحرز منها فإن طرق المدينة كانت واسعة، ولم تكن الخمر من الكثرة، بحيث تصير نهرا يعم الطريق كلها، بل إنما جرت في مواضع يسيرة يمكن التحرز عنها.

هذا مع ما يحصل في ذلك من فائدة شهرة إراقتها في طرق المدينة؛ ليشيع العمل على مقتضى تحريمها من إتلافها، وأنه لا ينتفع بها. ويتتابع الناس، ويتوافقوا على ذلك. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني