الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التطفيف.. ماهيته.. وجزاء فاعله

السؤال

أعمل بشركة كبرى للمصبرات الغذائية وتدرجت في السلم المهني حتى تم تعييني كمشرف وزن وتتمثل مهمتي في وزن المواد الأولية عند دخولها للمصنع و مد الفلاح بوصل في وزن بضاعته ليتم تسديده نقدا, وحال تكليفي بهذه المهمة خلفا لسابقي انفرد بي مدير المصنع و أعلمني أنه منذ سنوات يتم طرح نسبة 10 بالمائة من الوزن الصافي على جميع عمليات الوزن وذلك حتى تصمد الشركة أمام المنافسة الشرسة وطلب مني تطبيق ذلك بكل سريّة حتى نحافظ على مورد رزق عشرات العائلات, تظاهرت بالموافقة حتى لا أفقد عملي لكنّي حرصت على الأمانة في الوزن عندما استلمت مهمتي. وسرعان ما شعر الفلاحون أن فواتيرهم قد تحسنت قيمتها مقارنة بما كان عليه الحال قبلي وبلغ الأمر مسامع مدير المصنع فعيّن لي مساعدا قصد مراقبتي فاضطررت لتطبيق تعليماته حتى لا يتم فصلي كلما كنت مراقبا وإني اليوم شديد الندم على ما فعلت خصوصا أنه يستحيل عليّ حصر من تضرر من أفعالي فأعدادهم بالمئات كما يستحيل علي التصدّق بقيمة الضرر الذي أقدره بمئات الملايين .
إني أعلمت مديري أني مغادر أواخر هذا الشهر، هل يشفع لي أني لست مستفيدا مما فعلت إنما الشركة هي المستفيدة ؟
ماذا أفعل حتى أكفر عن ذنبي ؟
هذا مع العلم أن المدير صادق في قوله في ما يخص الوضعية المادية للشركة وهو أيضا أجير مثلي وليست له أي فائدة مباشرة في هذه العملية.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا ريب أن الأمر الذي طلبه منك مدير المصنع حرام شرعا لا يحل له طلبه كما لا يحل لك فعله. قال تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ {المطففين: 1-3}

قال العلامة ابن العربي: قال علماء اللغة: المطففون هم الذين ينقصون المكيال والميزان، وقيل له المطفف لأنه لا يكاد يسرق من المكيال والميزان إلا الشيء الطفيف انتهى

فإذا كان هذا فيمن يسرق الشيء الطفيف فكيف بمن يسرق العشر، لا ريب أن هذا العمل من الكبائر. جاء في أسنى المطالب: فعدوا من الكبائر القتل والزنا واللواط وشرب الخمر والخيانة في كيل أو وزن. اهـ.

هذا.. ويعد الخائن في الكيل والميزان مغتصبا حق غيره. جاء في مغني المحتاج: الغصب هو الاستيلاء على حق الغير عدوانا، والأصل في تحريمه آيات منها قوله تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ. وإذا كان هذا في التطفيف وهو غصب القليل فما ظنك بغصب الكثير. اهـ

وإذا كان التطفيف غصبا فإن على المطفف رد ما غصبه. جاء في المصدر السابق: وعلى الغاصب الرد للمغصوب على الفور عند التمكن وإن عظمت المؤونة في رده، للحديث: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. فإن تلف عنده ضمن. اهـ.

وبعد ما تقدم نقول للأخ السائل: إنه يجب عليك أولا التوبة الصادقة إلى الله تعالى من هذا الذنب، وإذا كان عملك في هذه الشركة مشروطا بالتطفيف في الميزان فيجب عليك ترك هذا العمل فورا، واعلم أن الله تعالى إذا علم صدق توبتك عوضك من عملك هذا خيرا، كما يجب عليك رد قيمة ما طففته من أموال المزارعين لأنك أنت المباشر لهذا التطفيف لما تقدم في الحديث: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. وإذا أمكنك أخذ ذلك من أموال الشركة فهو المتعين لأن ما أخذته بهذه الصورة ليس ملكا لها وهذا الوجوب عند التمكن، فإذا عجزت فإن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها.

هذا، وعليك نصيحة المدير وتحذيره عقاب الله تعالى، وأعلمه أن شر الناس من باع آخرته بدنيا غيره، وأن الأعذار التي يذكرها لتبرير فعله هذا أعذار قبيحة من تزيين الشيطان وكيده، وإذا كان إطلاع الجهات الرسمية على هذا الأمر سيوقفه فيجب عليك الإطلاع ما لم تخش أن يترتب عليك في ذلك ضرر يصعب تحمله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني