[ ص: 101 ] باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أهل الصفة على لبن يسير، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة
أخبرنا أبو عبد الله إسحاق بن محمد بن يوسف السوسي، قراءة عليه من أصله، حدثنا ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي ، حدثنا علي بن عبد العزيز أبو نعيم، حدثنا ، حدثنا عمر بن ذر مجاهد، ، كان يقول: والله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض، من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون فيه فمر بي أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليستتبعني فمر ولم يفعل، ثم مر بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليستتبعني فمر ولم يفعل، ثم مر بي أبا هريرة أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: "يا أبا هر" ، قلت: لبيك رسول الله، قال: "الحق" ، ومضى فاتبعته، فدخل واستأذنت فأذن لي، فدخلت فوجد لبنا في قدح، فقال: "من أين هذا اللبن؟" ، قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال: "أبا هر" ، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: "الحق بأهل الصفة فادعهم لي" ، قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال، إذا أتته صدقة يبعث [ ص: 102 ] بها إليهم، ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية، أرسل إليهم فأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك.
قلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة، كنت أرجو أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، وإني لرسول، فإذا جاؤوا أمرني أن أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد، فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا حتى استأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت، فقال: "يا أبا هر" ، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: "خذ فأعطهم" ، فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل، فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح فأعطيه للآخر، فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح، حتى انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، ونظر إلي وتبسم وقال: "يا أبا هر" ، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: "بقيت أنا وأنت" ، قلت: صدقت يا رسول الله، قال: "اقعد فاشرب" ، فقعدت وشربت فقال: "اشرب" فشربت، فقال: "اشرب" فشربت، فما زال يقول: "فاشرب" فأشرب حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكا، قال: "فأرني" ، فأعطيته القدح، فحمد الله وسمى وشرب الفضلة. أن
رواه البخاري في الصحيح عن أبي نعيم.