المسألة الثالثة
ذهب شذوذ من الناس إلى امتناع مصيرا منهم إلى أن الأصل عند تعدد الأسماء تعدد المسميات واختصاص كل اسم بمسمى غير مسمى الآخر ، وبيانه من أربعة أوجه : وقوع الترادف في اللغة
الأول : أنه يلزم من اتحاد المسمى تعطيل فائدة أحد اللفظين لحصولها باللفظ الآخر .
الثاني : أنه لو قيل باتحاد المسمى فهو نادر بالنسبة إلى المسمى المتعدد بتعدد الأسماء ، وغلبة استعمال الأسماء بإزاء المسميات المتعددة تدل على أنه أقرب إلى تحصيل مقصود أهل الوضع من وضعهم .
فاستعمال الألفاظ المتعددة فيما هو على خلاف الغالب خلاف الأصل .
الثالث : أن المؤونة في حفظ الاسم الواحد أخف من حفظ الاسمين ، والأصل إنما هو التزام أعظم [1] المشتقين لتحصيل أعظم الفائدتين .
الرابع : أنه إذا اتحد الاسم دعت حاجة الكل إلى معرفته مع خفة المؤونة في حفظه فعمت فائدة التخاطب به ، ولا كذلك إذا تعددت الأسماء فإن كل واحد على أمرين : بين أن يحفظ مجموع الأسماء ، أو البعض منها ، والأول شاق جدا وقلما يتفق ذلك ، والثاني فيلزم منه الإخلال بفائدة التخاطب لجواز اختصاص كل واحد بمعرفة اسم لا يعرفه الآخر .
[ ص: 24 ] وجوابه أن يقال : لا سبيل إلى إنكار الجواز العقلي ، فإنه لا يمتنع عقلا أن يضع واحد لفظين على مسمى واحد ثم يتفق الكل عليه ، أو أن تضع إحدى القبيلتين أحد الاسمين على مسمى وتضع الأخرى له اسما آخر من غير شعور كل قبيلة بوضع الأخرى ، ثم يشيع الوضعان بعد بذلك ، كيف وذلك جائز بل واقع بالنظر إلى لغتين ضرورة فكان جائزا بالنظر إلى قبيلتين .
قولهم في الوجه الأول " لا فائدة في أحد الاسمين " ليس كذلك ، فإنه يلزم منه التوسعة في اللغة وتكثير الطرق المفيدة للمطلوب ، فيكون أقرب إلى الوصول إليه حيث إنه لا يلزم من تعذر حصول أحد الطريقين تعذر الآخر ، بخلاف ما إذا اتحد الطريق ، وقد يتعلق به فوائد أخر في النظم والنثر بمساعدة أحد اللفظين في الحرف الروي ووزن البيت والجناس والمطابقة والخفة في النطق به ، إلى غير ذلك من المقاصد المطلوبة لأرباب الأدب وأهل الفصاحة .
وما ذكروه في الوجه الثاني فغير مانع من وقوع الترادف ، بدليل الأسماء المشتركة والمجازية .
وما ذكروه في الوجه الثالث ، فإنما يلزم المحذور منه وهو زيادة مؤونة الحفظ ، إن لو وظف على كل واحد حفظ جميع المترادفات وليس كذلك ، بل هو مخير في حفظ الكل أو البعض [2] مع ما فيه من الفائدة التي ذكرناها .
وعن الوجه الرابع ، أنه ملغى بالترادف في لغتين ، كيف وإنه يلزم من الإخلال بالترادف الإخلال بما ذكرناه من المقاصد أولا وهو محذور .
ثم الدليل على وقوع الترادف في اللغة ، ما نقل عن العرب من قولهم " الصهلب والشوذب من أسماء الطويل ، والبهتر والبحتر من أسماء القصير " إلى غير ذلك .
ولا دليل على امتناع ذلك حتى يتبع ما يقوله من يتعسف في هذا الباب في بيان اختلاف المدلولات ، لكنه ربما خفي بعض الألفاظ المترادفة وظهر البعض ، فيجعل الأشهر بيانا للأخفى وهو الحد اللفظي .
[ ص: 25 ] وقد ظن بأسماء أنها مترادفة وهي متباينة ، وذلك عندما إذا كانت الأسماء لموضوع واحد باعتبار صفاته المختلفة كالسيف والصارم والهندي ، أو باعتبار صفته وصفة صفته كالناطق والفصيح وليس كذلك .
ويفارق المرادف المؤكد من جهة أن اللفظ المرادف لا يزيد مرادفه إيضاحا ، ولا يشترط تقدم أحدهما على الآخر ، ولا يرادف الشيء بنفسه بخلاف المؤكد . والتابع في اللفظ فمخالف لهما فإنه لا بد وأن يكون على وزن المتبوع ، وأنه قد لا يفيد معنى أصلا كقولهم : حسن بسن ، وشيطان ليطان ، ولهذا قال : سألت ابن دريد أبا حاتم عن معنى قولهم " بسن " فقال : ما أدري ما هو .