( ) ثم إنه من حين حدثت هذه الآراء المختلفة في الإسلام ، وظهرت هذه البدع من قديم الأيام ، وفشت في خاصة الناس والعوام ، وأشربت قلوبهم حبها ، حتى خاصموا فيها بزعمهم تدينا أو تحرجا من الآثار ، لم تر دعوتهم انتشرت في عشرة من منابر الإسلام متوالية ، ولا أمكن أن تكون كلمتهم بين المسلمين عالية ، أو مقالتهم في الإسلام ظاهرة ، بل كانت داحضة وضيعة مهجورة ، وكلمة أهل السنة ظاهرة ، ومذاهبهم كالشمس نائرة ، ونصب الحق زاهرة ، وأعلامها بالنصر مشهورة ، وأعداؤها بالقمع مقهورة ، ينطق بمفاخرها على أعواد المنابر ، وتدون مناقبها في الكتب والدفاتر ، وتستفتح بها الخطب وتختم ، ويفصل بها بين الحق والباطل ويحكم ، وتعقد عليها المجالس وتبرم ، وتظهر على الكراسي وتدرس وتعلم . ومقالة أهل البدع لم تظهر إلا بسلطان قاهر ، أو بشيطان معاند فاجر ، يضل الناس خفيا ببدعته ، أو [ ص: 15 ] يقهر ذاك بسيفه وسوطه ، أو يستميل قلبه بماله ليضله عن سبيل الله ؛ حمية لبدعته ، وذبا عن ضلالته ؛ ليرد المسلمين على أعقابهم ، ويفتنهم عن أديانهم بعد أن استجابوا لله وللرسول طوعا وكرها ، ودخلوا في دينهما رغبة أو قهرا ، حتى كملت الدعوة ، واستقرت الشريعة . فشل العقائد المبتدعة أمام عقيدة أهل السنة والجماعة