( حدثنا ) بفتح فكسر ( حدثنا أحمد بن منيع ) بضم ففتح ( حدثنا الفضل بن دكين مصعب بن سليم ) بصيغة المفعول فيهما ( قال : سمعت يقول : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي جيء ( بتمر فرأيته يأكل ) حال من المفعول ( وهو مقع ) اسم فاعل من الإقعاء ، أي جالس على وركيه ، وهو الاحتباء الذي هو جلسة الأنبياء ، ( من الجوع ) أي لأجله يعني أن إقعاءه كان لأجل جوعه ، والجملة حال من فاعل يأكل ، ووقع في بعض الروايات وهو محتفز . أنس بن مالك
قال الجوهري : الإقعاء عند أهل اللغة أن يلصق الرجل أليتيه بالأرض ، وينصب ساقيه ويتساند ظهره ، قال : وقال الفقهاء : هو أن يضع أليتيه على عقبه بين السجدتين ، قال الإقعاء المنهي للصلاة الجزري : في النهاية ومن حديث ، أي كان أنه صلى الله عليه وسلم كان يأكل مقعيا ، وتبعه يجلس عند الأكل على وركيه مستوفزا غير متمكن العسقلاني ، وقال النووي : أي جالسا على أليتيه ناصبا ساقيه ، والاستيفاز الاستعجال من استفزه ، إذا حركه وأزعجه ، وهو من باب الاستفعال .
وأما قول ميرك : افتعال فهو سهو قلم من الاستعجال .
قال الترمذي في شرح قوله : وكره الإقعاء : الأظهر في تفسير الإقعاء أنه الجلوس على الوركين ونصب الفخذين والركبتين ; لأن الكلب هكذا يقعي ، وبهذا فسره أبو عبيد ، وزاد فيه شيئا آخر ، وهو وضع اليدين على الأرض ، وفيه وجه ثان ، وهو أن يفرش رجليه ويضع أليتيه على عقبيه ، وثالث أن يضع يديه ويقعد على أطراف أصابعه .
قال النووي : الصواب هو الأول ، وأما الثاني فغلط ، فقد ثبت في صحيح مسلم أن الإقعاء سنة نبينا ، وفسر العلماء بهذا قال : ونص على استحبابه ، فالإقعاء ضربان مكروه ، وغير مكروه انتهى . ومحله باب الصلاة . الشافعي
وقال ابن حجر : أي جالس على أليتيه ناصب ساقيه ، وهذا هو الإقعاء المكروه في الصلاة ، وإنما لم يكره هنا ; لأن ثمة فيه تشبه بالكلاب ، وهنا تشبه بالأرقاء ففيه غاية التواضع .
وقيل : المراد هنا هو الوجه الثاني في كلام الترمذي ، والأصح ما ذكرنا ; لأن هيئته تدل على أنه صلى الله عليه وسلم ، غير متكلف ولا معتن بشأن الأكل ، وأيضا فإذا كان الإقعاء له معان فيحمل إقعاؤه صلى الله عليه وسلم على ما ثبت من جلوسه عند أكله ، وقد ثبت الاحتباء ، فتعين حمله عليه ، وفي القاموس أقعى في جلوسه ، أي تساند إلى ما ورائه ، وحينئذ فيجمع بين قوله ونقل الجوهري عن اللغويين بالجمع ، بين هيئة الاحتباء ، والتساند إلى الوراء ، فمعنى مقع من الجوع محتبيا ، مستندا لما ورائه من الضعف الحاصل له بسبب الجوع ، وبما تقرر ، تحرر أن الاستناد ليس من مندوبات الأكل ، بل هو من ضروراته ; لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعله إلا لذلك الضعف الحاصل له ، الحامل عليه .