ولعله - صلى الله عليه وسلم - كان يتمثل بالشعر ويمدحه أحيانا تألفا لقلوب المؤمنين ، وتدرجا بأقوال العارفين إلى كلام رب العالمين للمناسبة البشرية العاجزة غالبا عن فهم الأسرار الإلهية .
وهذا وجه ما حكي أن بعض المشايخ قرأ حزبه من القرآن بعد الصبح ورقة بعد ورقة ، ولم يحصل له وجد وذوق ورقة ثم حضر قوال ، وأنشد له شعرا فحصل له سماع ، وتواجد عظيم بحسب التوفيق ، ولما أفاق قال : أما تعذرون القائلين في حقي أنه الزنديق وعلى الجملة ; ففي الحديث منقبة شريفة للبيد وكلمته (
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
) فألا للتنبيه ، والمراد بالباطل : الفاني المضمحل ، وإنما كان كلامه أصدق ؛ لأنه وافق أصدق الكلام في أحق المرام ، وهو قوله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه وهو زبدة مسألة التوحيد ، وعمدة كلمة أهل التفريد من قول بعضهم ليس في الدار غيره ديار .وقول آخر سوى الله والله ما في الوجود ، وقد بينت هذا المعنى في شرح حزب مولانا الشيخ أبي الحسن البكري قدس الله سره السري عند قوله أستغفر الله مما سوى الله .
ومجمله أن المراد بالهلاك في الآية والبطلان في البيت إما بالفعل ; فينعدم كل مخلوق ; فيوجد في كل آن وهو المعني بقوله كل يوم هو في شأن وهو مذهب ابن العربي وأتباعه [ ص: 43 ] من المحققين بأن الجواهر كالأعراض لا تبقى زمانين أو المراد قبوله للبطلان والهلاك ، إذ المتعقل إما ثابت العدم كالمحال أو واجب القدم والبقاء كذات الله وصفاته من نعوت الكمال ، أو محتمل كالعالم وهو ما سواه ، وكله مما في صدد الزوال في نظر أرباب الأحوال . ثم المصراع الثاني . وكل نعيم لا محالة زائل .
أي من نعم الدنيا لقوله بعد ذلك نعيمك في الدنيا غرور وحسرة قال الحنفي : لكنه لم يجر على لسانه - صلى الله عليه وسلم - قلت لا يجوز الجزم بذلك ، وقد جاء في رواية : " " ، وفي رواية : " إن أصدق بيت قاله الشاعر " ، والبيت لا يطلق إلا على المصراعين ، وكثير ما يذكر أحد المصراعين للاكتفاء بالتنبيه عليه ، فتارة يؤتى بالمصراع الأول كما هنا ، وتارة بالمصراع الثاني كما في الحديث الأول ، فتأمل . ( وكاد ) أي : قارب ( إن أصدق بيت قالته الشعراء ) بفتح ، فسكون أي : أمية ) بالتصغير ( ابن أبي الصلت ابن ربيعة الثقفي ( أن يسلم ) ; لأنه كان في شعره ينطق بالحقائق وقد كان متعبدا في الجاهلية من بين الخلائق ، ويتدين ويؤمن بالبعث لكنه أدرك الإسلام ، ولم يسلم .