( كتاب الولاء ) :
الولاء نوعان : ولاء عتاقة ، وولاء موالاة أما ولاء العتاقة : فلا خلاف في ، عرفنا ذلك بالسنة وإجماع الأمة والمعقول . ثبوته شرعا
أما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم : { } وهذا نص ، وروي { الولاء لمن أعتق } . أن رجلا اشترى عبدا فأعتقه فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني اشتريت هذا فأعتقته فقال صلى الله عليه وسلم : هو أخوك ومولاك ، فإن شكرك فهو خير له وشر لك ، وإن كفرك فهو خير لك وشر له ، وإن مات ولم يترك وارثا كنت أنت عصبته
والاستدلال به من وجهين : أحدهما : أنه جعله عصبة إذا لم يترك وارثا آخر .
والثاني : أنه - صلى الله عليه وسلم - جعل المعتق مولى المعتق ، بقوله صلى الله عليه وسلم : هو أخوك ومولاك ، ولا يكون مولاه إلا وأن يكون ولاؤه له [ ص: 160 ] ونظير هذا الاستدلال استدلالنا بقوله عز وجل : { والله خلقكم وما تعملون } على تقدير تسليم إرادة المعمول من قوله - سبحانه وتعالى - وما تعملون في إثبات خلق الأفعال من الله تبارك وتعالى ، أخبر سبحانه أنه خلقهم وخلق معمولهم ، ولا معمول بدون العمل فيدل على كون المعمول مخلوق الله عز وجل ، وقوله صلى الله عليه وسلم : إن شكرك فهو خير له ; لأن المعتق لما أنعم الله عليه بالإعتاق فقد وجب عليه الشكر ، فإذا شكره فقد أدى ما وجب عليه ، فكان خيرا له ، وقوله صلى الله عليه وسلم : وشر لك ; لأنه قد وصل إليه شيء من العوض فأوجب ذلك نقصانا في الثواب ; لأنه يصير كأنه أعتقه على عوض ، فكان ثوابه أقل ممن أعتق ولم يصل إليه على إعتاقه عوض دنيوي أصلا ورأسا ، وقوله صلى الله عليه وسلم : وإن كفرك فهو خير لك ; لأن إعتاقه إذا خلا عن عوض دنيوي يتكامل ثوابه في الآخرة ، وقوله صلى الله عليه وسلم : وشر له ; لأن شكر النعمة واجب عقلا وشرعا ، فإذا لم يشكره فقد ترك الواجب ، فكان شرا له .
وروي أن معتق بنت حمزة رضي الله عنه مات وترك بنتا ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف ماله لابنته ، والنصف لابنة حمزة .
وروي عن رضي الله عنه عمر وعلي وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبي مسعود الأنصاري رضي الله عنهم أنهم قالوا : الولاء للكبر ، فاتفاق هؤلاء النجباء من الصحابة رضي الله عنهم على لفظ واحد بدليل سماعهم ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما إن هذا حكم لا يدرك بالقياس ، فالظاهر قول السماع ، وسيأتي تفسير هذا الحديث في أثناء المسائل إن شاء الله تعالى . وأسامة بن زيد
وأما الإجماع : فإن الأمة أجمعت على ثبوت هذا الولاء .
وأما المعقول فمن وجوه : أحدها : أن الإعتاق إنعام إذ المعتق أنعم على المعتق بإيصاله إلى شرف الحرية ، ولهذا سمي المولى الأسفل مولى النعمة في عرف الشرع ، وكذا سماه الله تعالى إنعاما ، فقال - عز وجل - في زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه } قيل في التفسير أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمت عليه بالإعتاق ، فجعل كسبه عند استغنائه عنه لمولاه شكرا لإنعامه السابق ، ولهذا ، والثاني : أن لا يرث المعتق من المعتق ، ولهذا كان عقله عليه وعليه أن ينصره بدفع الظلم عنه وبكفه عن الظلم على غيره ، فإذا جنى فقد قصر في أحد نوعي النصرة ، وهو كفه عن الظلم على غيره فجعل عليه ضمانا للتقصير ، فإذا مات جعل ولاؤه لمعتقه جزاء للنصرة السابقة ، والثالث أن الإعتاق كالإيلاد من حيث المعنى ; لأن كل واحد منهما إحياء معنى ، فإن المعتق سبب لحياة المعتق باكتساب سبب الأهلية والمالكية والولاية التي يمتاز بها الآدمي عن البهائم ، كما أن الأب سبب حياة الولد باكتساب سبب وجوده عادة ، وهو الإيلاد ، ثم الإيلاد سبب لثبوت النسب ، فالإعتاق يكون سببا لثبوت الولاء كالإيلاد ، وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : { المعتق في نصرة المعتق حال حياته } والله - عز وجل - أعلم . الولاء لحمة كلحمة النسب