ذكر في الأصل أن البيع لا يجوز ، وذكر في بعض المواضع أن البيع موقوف ، وذكر في بعضها أن البيع باطل ، والتوفيق ممكن ; لأن في معنى قوله : " لا يجوز " أي لا ينفذ ، وهذا لا يمنع التوقف . ولو باع المؤاجر الدار المستأجرة بعد ما أجرها من غير عذر
وقوله : " باطل " أي ليس له حكم ظاهر للحال ، وهو تفسير التوقف ، والصحيح أنه جائز في حق البائع والمشتري ، موقوف في حق المستأجر ، حتى إذا انقضت المدة يلزم المشتري البيع ، وليس له أن يمتنع من الأخذ ، وليس للبائع أن يأخذ المبيع من يد المستأجر من غير إجازة البيع ، فإن أجاز ; جاز ، وإن أبى ; فللمشتري أن يفسخ البيع ، ومتى فسخ لا يعود جائزا بعد انقضاء مدة الإجارة .
ذكر في ظاهر الرواية أنه لا يملك الفسخ ، حتى لو فسخ لا ينفسخ حتى إذا مضت مدة الإجارة كان للمشتري أن يأخذ الدار ، وروى وهل يملك المستأجر فسخ هذا البيع ؟ عن الطحاوي أبي حنيفة أن له أن ينقض البيع ، وإذا نقضه لا يعود جائزا ، . ومحمد
وروي عن أنه ليس للمستأجر نقض البيع ، والإجارة كالعيب ، فإن كان المشتري عالما بها وقت الشراء وقعت الإجارة لازمة ، وإن لم يكن عالما بها وقت الشراء فهو بالخيار : إن شاء نقض البيع لأجل العيب وهو الإجارة ، وإن شاء أمضاه ، وهذا كله مذهب أصحابنا ، وقال أبي يوسف : البيع نافذ من غير إجازة المستأجر ، وجه قوله : إن البيع صادف [ ص: 208 ] محله ; لأن الرقبة ملك المؤاجر ، وإنما حق المستأجر في المنفعة ، ومحل البيع العين ، ولا حق للمستأجر فيها ولنا أن البائع غير قادر على تسليمه لتعلق حق المستأجر به ، وحق الإنسان يجب صيانته عن الإبطال ما أمكن ، وأمكن ههنا بالتوقف في حقه ، فقلنا بالجواز في حق المشتري ، وبالتوقف في حق المستأجر صيانة للحقين ومراعاة للجانبين ، وعلى هذا إذا أجر داره ثم أقر بها لإنسان إن إقراره ينفذ في حق نفسه ولا ينفذ في حق المستأجر ، بل يتوقف إلى أن تمضي مدة الإجارة ، فإذا مضت نفذ الإقرار في حقه أيضا ، فيقضى بالدار للمقر له ، وهذا بخلاف ما إذا أجر داره من إنسان ثم أجر من غيره إن الإجارة الثانية تكون موقوفة على إجازة المستأجر الأول ، فإن أجازها جازت ، وإن أبطلها بطلت ، وههنا ليس للمستأجر أن يبطل البيع . الشافعي
ووجه الفرق أن عقد الإجارة يقع على المنفعة إذ هو تمليك المنفعة ، والمنافع ملك المستأجر الأول ، فتجوز بإجازته ، وتبطل بإبطاله ، فأما الإقرار فإنما يقع على العين ، والعين ملك المؤاجر لكن للمستأجر فيها حق فإذا زال حقه بتقديم المستأجر الأول إذا أجاز الإجارة الثانية حتى نفذت كانت الأجرة له لا لصاحب الدار ، وفي البيع يكون الثمن لصاحب الملك .
ووجه الفرق على نحو ما ذكرنا ; لأن الإجارة وردت على المنفعة وأنها ملك المستأجر الأول ، فإذا أجاز كان بدلها له ، فأما الثمن فإنه بدل العين والعين ملك المؤاجر فكان بدلها له ، وبالإجارة لا ينفسخ عقد المستأجر الأول ما لم تمض مدة الإجارة الثانية ، فإذا مضت فإن كانت مدتهما واحدة تنقضي المدتان جميعا ، وإن كانت مدة الثانية أقل فللأول أن يسكن حتى تتم المدة ، وكذلك لو رهنها المؤاجر قبل انقضاء مدة الإجارة أن العقد جائز فيما بينه وبين المرتهن ، موقوف في حق المستأجر لتعلق حقه بالمستأجر ، وله أن يحبس حتى تنقضي مدته ، وعلى هذا بيع المرهون من الراهن أنه جائز بين البائع والمشتري ، موقوف في حق المرتهن ، وله أن يحبسه حتى يستوفي ماله ، فإذا افتكها الراهن يجب عليه تسليم الدار إلى المشتري كما في الإجارة ، إلا أن ههنا إذا أجاز المرتهن البيع حتى جاء وسلم الدار إلى المشتري فالثمن يكون رهنا عند المرتهن قائما مقام الدار ; لأن حق حبس العين كان ثابتا له ما دامت في يده ، وبدل العين قائم مقام العين فثبت له حق حبسه ، وفرق بين الرهن والإجارة فقال في الرهن : للمرتهن أن يبطل البيع وليس للمستأجر ذلك ; لأن حق المستأجر في المنفعة لا في العين ، فكان الفسخ منه تصرفا في محل حق الغير فلا يملكه . القدوري
وأما حق المرتهن فتعلق بغير المرهون ، ألا ترى أنه يصير به مستوفيا للدين فكان الفسخ منه تصرفا في محل حقه فيملك ؟ والله - عز وجل - أعلم .
أن يعمل بيده ; لأن العقد وقع على العمل ، والإنسان قد يعمل بنفسه وقد يعمل بغيره ; ولأن عمل أجرائه يقع له فيصير كأنه عمل بنفسه ، إلا إذا شرط عليه عمله بنفسه ; لأن العقد وقع على عمل من شخص معين ، والتعيين مفيد ; لأن العمال متفاوتون في العمل فيتعين فلا يجوز تسليمها من شخص آخر من غير رضا المستأجر ، كمن استأجر جملا بعينه للحمل لا يجبر على أخذ غيره ، ولو استأجر على الحمل ولم يعين جملا كان للمكاري أن يسلم إليه أي جمل شاء ، كذا ههنا . وللأجير أن يعمل بنفسه وأجرائه إذا لم يشترط عليه في العقد