( وأما ) فنوعان : ( أحدهما ) متفق عليه ، ( والثاني ) مختلف فيه أما المتفق عليه : هو أن يكون مضمونا في الحال ، فلا يصح الرهن مما يصير مضمونا في الثاني ، كالرهن بالدرك بأن باع شيئا وقبض الثمن وسلم المبيع إلى المشتري ، فخاف المشتري الاستحقاق فأخذ بالثمن من البائع رهنا قبل الدرك لا يجوز ; حتى لا يملك الحبس ، سواء وجد الدرك أو لم يوجد . صفة المضمون
ولو هلك ، يهلك أمانة سواء وجد الدرك أو لم يوجد ، وكذا لو ارتهن بما يثبت له على الراهن في المستقبل ، لا يجوز ، بخلاف الكفالة فإن الكفالة بما يصير مضمونا في [ ص: 144 ] الثاني جائزة ، كما إذا كفل بما يذوب له على فلان ونحو ذلك ; لأن الارتهان استيفاء من وجه للحال ، ولا شيء للحال يستوفى ، واستيفاء المعدوم محال بخلاف الكفالة ; ولأن الرهن والارتهان لما كان من باب الإيفاء والاستيفاء أشبه البيع فلا يحتمل الإضافة إلى المستقبل كالبيع ; ولأن القياس يأبى جوازهما جميعا ; لأن كل واحد منهما يستدعي مضمونا ، إلا أن الجواز في الكفالة ; لتعامل الناس ، ولا تعامل في الرهن ، فيبقى الأمر فيه على أصل القياس ، وبخلاف ما إذا دفع إلى إنسان رهنا ليقرضه أن الرهن يكون مضمونا ، وإن كان ذلك رهنا بما ليس بمضمون في الحال ; لأن له حكم المضمون ، وإن لم يكن مضمونا حقيقة ; لوجود القبض على جهة الضمان ، والمقبوض على جهة شيء بمنزلة المقبوض على حقيقة ، كالمقبوض على سوم الشراء ولم يوجد هنا .
، يجوز أخذ الكفيل الرهن به ولو قال : إذا قدم فلان فأنا ضامن مالك عليه ، لم يجز أخذ الرهن به ، ويجوز أخذ الكفيل ، والفرق أن في المسألة الأولى الكفالة والرهن كل واحد منها أضيف إلى مضمون في الحال ; لأن الدين المؤجل واجب قبل حلول الأجل على طريق التوسع ، وإنما تأثير التأجيل في تأخير المطالبة ، بخلاف الرهن بضمان الدرك ; لأنه لا مضمون هنالك للحال ولا ما له حكم المضمون ، بخلاف ما إذا قال : إذا قدم فلان فأنا ضامن مالك عليه ; لأن ذلك تعليق الضمان بقدوم فلان ، فكان عدما قبل وجود الشرط ، فلم توجد الإضافة إلى مضمون للحال ; فبطل الرهن وصحت الكفالة ; لأنها لا تستدعي مضمونا في الحال بل في الجملة على ما مر . ولو قال لآخر : ضمنت لك مالك على فلان إذا حل
وأما المختلف فيه فهو أن الشرط كونه مضمونا ظاهرا أو باطنا ، أو كونه مضمونا من حيث الظاهر يكفي لجواز الرهن ، ذكر في الجامع ما يدل على أن كونه مضمونا في الظاهر كاف ، ولا يشترط كونه مضمونا حقيقة ، فإنه قال : محمد كان على المرتهن أن يرد على الراهن خمسمائة ; لأن الدين كان ثابتا على الراهن من حيث الظاهر ، ألا ترى أنهما لو اختصما إلى القاضي قبل أن يتصادقا ، أن القاضي يجبر المدعى عليه على إيفاء الخمسمائة ، فكان هذا رهنا بما هو مضمون ظاهر فيصح ، يدل عليه أن الرهن بجهة الضمان جائز على ما ذكر ; فلأن يجوز بالضمان الثابت من حيث الظاهر أولى وروي عن إذا ادعى على رجل ألفا وهي قرض عليه ، فجحدها المدعى عليه ، ثم إنه صالح المدعى من ذلك على خمسمائة وأعطاه بها رهنا يساوي خمسمائة ، ثم تصادقا على أن ذلك المال كان باطلا ، وأنه لم يكن للمدعى عليه بشيء ، ثم هلك الرهن في يده أنه لا يضمن شيئا ; لأنهما لما تصادقا على أنه لم يكن عليه شيء تبين أن الرهن حصل بما ليس بمضمون أصلا ; فلم يصح ، وكذا ذكر في الجامع أبي يوسف ثم قامت البينة على أن العبد حر أو استحق العبد من يده يهلك مضمونا ; لأن الألف كانت مضمونة على الراهن ظاهرا فقد حصل الارتهان بدين مضمون عليه من حيث الظاهر ; فجاز . إذا اشترى من رجل عبدا بألف درهم ، وقبض العبد وأعطاه بالألف رهنا يساوي ألفا ، فهلك الرهن عند المرتهن
وكذا لو اشترى شاة مذبوحة بعشرة دراهم ، أو اشترى دنا من خل أو أعطاه بالثمن رهنا فهلك الرهن ، ثم علم أن الشاة ميتة والخل خمر فالرهن مضمون ; لما قلنا .
وكذا كان المرهون مضمونا بالأقل من قيمته ومن قيمة العبد ; لما ذكرنا وعلى قياس ما روي عن لو قتل عبد إنسان خطأ ، وأعطاه بقيمته رهنا ، ثم علم أن العبد حر ينبغي أن لا يضمن في هذه المسائل أيضا ; لأنه تبين أن الارتهان حصل بما ليس بمضمون حقيقة فلم يصح ولو ادعى المستودع أو المضارب هلاك الوديعة أو المضاربة ، وادعى رب المال عليهما الاستهلاك ، وتصالحا على مال وأخذ رب المال بالمال رهنا من المستودع ، فهلك عنده ، ثم تصادقا على أن الوديعة هلكت عنده يضمن المرتهن عند أبي يوسف ، وعند محمد لا يضمن ، وهذا الاختلاف بناء على اختلافهما في صحة الصلح ، فعند أبي يوسف لما صح الصلح كان رهنا بمضمون من حيث الظاهر ; فيصح ، وعند محمد لما لم يصح فقد حصل الرهن بما ليس بمضمون حقيقة ; فلم يصح . أبي يوسف