( فصل ) :
وأما شرائطه فبعضها شرائط الوجوب ، وبعضها شرائط الجواز .
أما فمنها أن يكون من أهل الآفاق فليس على أهل شرائط الوجوب مكة ، ولا من كان منزله داخل المواقيت إلى مكة طواف الصدر إذا حجوا ; لأن هذا الطواف إنما ، وجب توديعا للبيت ، ولهذا يسمى طواف الوداع ، ويسمى طواف الصدر لوجوده عند صدور الحجاج ورجوعهم إلى وطنهم ، وهذا لا يوجد في أهل مكة ; لأنهم في وطنهم ، وأهل داخل المواقيت في حكم أهل مكة فلا يجب عليهم كما لا يجب على أهل مكة ، وقال أحب إلي أن يطوف المكي طواف الصدر ; لأنه وضع لختم أفعال الحج ، وهذا المعنى يوجد في أهل أبو يوسف مكة .
ولو نوى الآفاقي الإقامة بمكة أبدا بأن توطن بها ، واتخذها دارا فهذا لا يخلو من أحد ، وجهين : إما أن نوى الإقامة بها قبل أن يحل النفر الأول ، وإما أن نوى بعد ما حل النفر الأول ، فإن نوى الإقامة قبل أن يحل النفر الأول سقط عنه طواف الصدر أي لا يجب عليه بالإجماع ، وإن نوى بعد ما حل النفر الأول لا يسقط ، وعليه طواف الصدر في قول ، وقال أبي حنيفة يسقط عنه إلا إذا كان شرع فيه ، ووجه قوله أنه لما نوى الإقامة صار كواحد من أهل أبو يوسف مكة ، وليس على أهل مكة طواف الصدر إلا إذا شرع فيه ; لأنه وجب عليه بالشروع فلا يجوز له تركه بل يجب عليه المضي فيه ، ووجه قول أنه إذا حل له النفر فقد وجب عليه الطواف لدخول وقته إلا أنه مرتب على طواف الزيارة كالوتر مع العشاء ، فنية الإقامة بعد ذلك لا تعمل ، كما إذا نوى الإقامة بعد خروج وقت الصلاة ، ومنها الطهارة من الحيض ، والنفاس فلا يجب على الحائض ، والنفساء حتى لا يجب عليهم الدم بالترك لما روي { أبي حنيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للحيض ترك هذا الطواف [ ص: 143 ] لا إلى بدل } فدل أنه غير واجب عليهن إذ لو كان واجبا لما جاز تركه لا إلى بدل ، وهو الدم فأما الطهارة عن الحدث ، والجنابة فليست بشرط للوجوب ، ويجب على المحدث والجنب ; لأنه يمكنهما إزالة الحدث والجنابة فلم يكن ذلك عذرا ، والله أعلم .