فصل
أصل الذنوب
ولما كانت تفاوتت عقوباتها في الدنيا والآخرة بحسب تفاوتها . الذنوب متفاوتة في درجاتها ومفاسدها
ونحن نذكر فيها بعون الله وحسن توفيقه فصلا وجيزا جامعا ، فنقول :
أصلها نوعان : ترك مأمور ، وفعل محظور ، وهما الذنبان اللذان ابتلى الله سبحانه بهما أبوي الجن والإنس .
وكلاهما ينقسم باعتبار محله إلى ظاهر على الجوارح ، وباطن في القلوب .
وباعتبار متعلقه إلى حق الله وحق خلقه .
وإن كان كل حق لخلقه فهو متضمن لحقه ، لكن سمي حقا للخلق لأنه يجب بمطالبتهم ويسقط بإسقاطهم .
[ ص: 124 ] ثم هذه الذنوب تنقسم إلى أربعة أقسام : ملكية ، وشيطانية ، وسبعية ، وبهيمية ، ولا تخرج عن ذلك .
فالذنوب الملكية أن يتعاطى ما لا يصح له من صفات الربوبية ، كالعظمة ، والكبرياء ، والجبروت ، والقهر ، والعلو ، واستعباد الخلق ، ونحو ذلك .
ويدخل في هذا شرك بالله تعالى ، وهو نوعان : شرك به في أسمائه وصفاته وجعل آلهة أخرى معه ، وشرك به في معاملته ، وهذا الثاني قد لا يوجب دخول النار ، وإن أحبط العمل الذي أشرك فيه مع الله غيره .
وهذا القسم أعظم أنواع الذنوب ، ويدخل فيه القول على الله بلا علم في خلقه وأمره ، فمن كان من أهل هذه الذنوب ، فقد نازع الله سبحانه في ربوبيته وملكه ، وجعل له ندا ، وهذا أعظم الذنوب عند الله ، ولا ينفع معه عمل .
فصل وأما الشيطانية : فالتشبه بالشيطان في الحسد ، والبغي والغش والغل والخداع والمكر ، والأمر بمعاصي الله وتحسينها ، والنهي عن طاعته وتهجينها ، والابتداع في دينه ، والدعوة إلى البدع والضلال . الذنوب الشيطانية
وهذا النوع يلي النوع الأول في المفسدة ، وإن كانت مفسدته دونه .
فصل وأما السبعية : فذنوب العدوان والغضب وسفك الدماء ، والتوثب على الضعفاء والعاجزين ، ويتولد منها أنواع أذى النوع الإنساني والجرأة على الظلم والعدوان . الذنوب السبعية
الذنوب البهيمية وأما : فمثل الشره والحرص على قضاء شهوة البطن والفرج ، ومنها يتولد الزنا والسرقة وأكل أموال اليتامى ، والبخل ، والشح ، والجبن ، والهلع ، وغير ذلك . الذنوب البهيمية
[ ص: 125 ] وهذا القسم أكثر ذنوب الخلق لعجزهم عن الذنوب السبعية والملكية ، ومنه يدخلون إلى سائر الأقسام ، فهو يجرهم إليها بالزمام ، فيدخلون منه إلى الذنوب السبعية ، ثم إلى الشيطانية ، ثم منازعة الربوبية ، والشرك في الوحدانية ، ومن تأمل هذا حق التأمل ، تبين له أن الذنوب دهليز الشرك والكفر ومنازعة الله ربوبيته .