( فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين )
ثم قال تعالى : ( فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة )
واعلم أن المراد بقوله : ( الذين في قلوبهم مرض ) المنافقون : مثل عبد الله بن أبي وأصحابه ، وقوله ( يسارعون فيهم ) أي اليهود ونصارى نجران ; لأنهم كانوا أهل ثروة وكانوا يعينونهم على مهماتهم ويقرضونهم ، ويقول المنافقون : إنما نخالطهم ; لأنا نخشى أن تصيبنا دائرة . يسارعون في مودة
قال الواحدي رحمه الله : الدائرة من دوائر الدهر كالدولة ، وهي التي تدور من قوم إلى قوم ، والدائرة هي التي تخشى ، كالهزيمة والحوادث المخوفة ، فالدوائر تدور ، والدوائل تدول .
قال الزجاج : أي نخشى أن لا يتم الأمر لمحمد صلى الله عليه وسلم فيدور الأمر كما كان قبل ذلك .
ثم قال تعالى : ( فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ) . [ ص: 16 ] قال المفسرون ; لأن الكريم إذا أطمع في خير فعله ، فهو بمنزلة الوعد لتعلق النفس به ورجائها له ، والمعنى : فعسى الله أن يأتي بالفتح لرسول الله على أعدائه وإظهار المسلمين على أعدائهم ، أو أمر من عنده يقطع أصل " عسى " من الله واجب اليهود أو يخرجهم عن بلادهم فيصبح المنافقون نادمين على ما حدثوا به أنفسهم ; وذلك لأنهم كانوا يشكون في أمر الرسول ويقولون : لا نظن أنه يتم له أمره ، والأظهر أن تصير الدولة والغلبة لأعدائه ، وقيل : أو أمر من عنده ، يعني أن يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بإظهار أسرار المنافقين وقتلهم فيندموا على فعالهم .
فإن قيل : شرط صحة التقسيم أن يكون ذلك بين قسمين متنافيين ، وقوله : ( فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده ) ليس كذلك ; لأن الإتيان بالفتح داخل في قوله : ( أو أمر من عنده ) .
قلنا : قوله ( أو أمر من عنده ) معناه أو أمر من عنده لا يكون للناس فيه فعل ألبتة ، كبني النضير الذين طرح الله في قلوبهم الرعب فأعطوا بأيديهم من غير محاربة ولا عسكر .