المسألة الرابعة : ظاهر الآية يدل على أن إقدام الناس على الظلم يوجب إهلاك جميع الدواب وذلك غير جائز ; لأن الدابة لم يصدر عنها ذنب ، فكيف يجوز إهلاكها بسبب ظلم الناس ؟ !
والجواب عنه من وجهين :
الوجه الأول : أنا لا نسلم أن قوله : ما ترك على ظهرها من دابة . يتناول جميع الدواب . وأجاب عنه : أن المراد لو يؤاخذهم الله بما كسبوا من كفر ومعصية لعجل هلاكهم ، وحينئذ لا يبقى لهم نسل ، ثم من المعلوم أنه لا أحد إلا وفي أحد آبائه من يستحق العذاب ، وإذا هلكوا فقد بطل نسلهم ، فكان يلزمه أن لا يبقى في العالم أحد من الناس ، وإذا بطلوا وجب أن لا يبقى أحد من الدواب أيضا ; لأن الدواب [ ص: 49 ] مخلوقة لمنافع العباد ومصالحهم ، فهذا وجه لطيف حسن . أبو علي الجبائي
والوجه الثاني : أن الهلاك إذا ورد على الظلمة ورد أيضا على سائر الناس والدواب ، فكان ذلك ، وفي حق غيرهم امتحانا ، وقد وقعت هذه الواقعة في زمان الهلاك في حق الظلمة عذابا نوح عليه السلام .
والوجه الثالث : أنه تعالى لو آخذهم لانقطع القطر ، وفي انقطاعه انقطاع النبت ، فكان لا تبقى على ظهرها دابة ، وعن رضي الله عنه : أنه سمع رجلا يقول : إن الظالم لا يضير إلا نفسه ، فقال : لا والله بل إن الحبارى في وكرها لتموت بظلم الظالم ، وعن أبي هريرة ابن مسعود رضي الله عنه : كاد الجعل يهلك في جحره بذنب ابن آدم ، فهذه الوجوه الثلاثة من الجواب مفرعة على تسليم أن لفظة الدابة يتناول جميع الدواب .
والجواب الثاني : أن المراد من قوله : ما ترك على ظهرها من دابة ، أي : ما ترك على ظهرها من كافر ، فالمراد بالدابة الكافر ، والدليل عليه قوله تعالى : ( أولئك كالأنعام بل هم أضل ) [ الأعراف : 179 ] والله أعلم .