( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه )
قوله تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) .
اعلم أنه لما ذكر في الآية الأولى ما هو الركن الأعظم في الإيمان ، أتبعه بذكر ما هو من وهي أنواع : شعائر الإيمان وشرائطه
النوع الأول : أن يكون الإنسان مشتغلا بعبادة الله تعالى ، وأن يكون محترزا عن عبادة غير الله تعالى ، وهذا هو المراد من قوله : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) وفيه بحثان :
البحث الأول : القضاء معناه الحكم الجزم البت الذي لا يقبل النسخ . والدليل عليه أن الواحد منا إذا أمر غيره بشيء فإنه لا يقال : إنه قضى عليه ، أما إذا أمره أمرا جزما وحكم عليه بذلك الحكم على سبيل البت والقطع ، فههنا يقال : قضى عليه ، ولفظ يرجع إلى إتمام الشيء وانقطاعه . وروى القضاء في أصل اللغة عن ميمون بن مهران أنه قال : في هذه الآية كان الأصل : " ووصى ربك " فالتصقت إحدى الواوين بالصاد فقرئ : " وقضى ربك " ثم قال : ولو كان على القضاء ما عصى الله أحد قط ، لأن خلاف قضاء الله ممتنع ، هكذا رواه عنه ابن عباس الضحاك ، وهو قراءة وسعيد بن جبير علي وعبد الله .
واعلم أن هذا القول بعيد جدا لأنه يفتح باب أن التحريف والتغيير قد تطرق إلى القرآن ، ولو جوزنا ذلك لارتفع الأمان عن القرآن وذلك يخرجه عن كونه حجة ولا شك أنه طعن عظيم في الدين .
البحث الثاني : قد ذكرنا أن هذه الآية تدل على وجوب وتدل على المنع عن عبادة الله تعالى وهذا هو الحق ، وذلك لأن العبادة عبارة عن الفعل المشتمل على نهاية التعظيم , ونهاية التعظيم لا تليق إلا بمن يصدر عنه نهاية الإنعام ، ونهاية الإنعام عبارة عن إعطاء الوجود والحياة والقدرة والشهوة والعقل ، وقد ثبت بالدلائل أن المعطي لهذه الأشياء هو الله تعالى لا غيره ، وإذا كان عبادة غير الله تعالى ، لا جرم كان المستحق للعبادة هو الله تعالى لا غيره ، فثبت بالدليل العقلي صحة قوله : ( المنعم بجميع النعم هو الله لا غيره وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) .