المسألة الأولى : قرأ ابن عمر "الحلم" بالسكون .
المسألة الثانية : اتفق الفقهاء على أن . واختلفوا إذا الاحتلام بلوغ فقال بلغ خمس عشرة سنة ولم يحتلم رحمه الله : لا يكون الغلام بالغا حتى يبلغ ثماني عشرة سنة ويستكملها ، وفي الجارية سبع عشرة سنة ، وقال أبو حنيفة الشافعي وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله في الغلام والجارية خمس عشرة سنة ، قال قوله تعالى : ( أبو بكر الرازي والذين لم يبلغوا الحلم منكم ) يدل على بطلان قول من جعل خمس عشرة إذا لم يحتلم ؛ لأن الله تعالى لم يفرق بين من بلغها وبين من قصر عنها بعد أن لا يكون قد بلغ الحلم ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من جهات كثيرة : " حد البلوغ " ولم يفرق بين من بلغ خمس عشرة سنة وبين من لم يبلغها ، فإن قيل : فهذا الكلام يبطل التقدير أيضا بثماني عشرة سنة . أجاب بأنا قد علمنا بأن العادة في البلوغ خمس عشرة سنة ، وكل ما كان مبنيا على طريق العادات فقد تجوز الزيادة فيه والنقصان منه ، وقد وجدنا من بلغ في اثنتي عشرة سنة ، وقد بينا أن الزيادة على المعتاد جائزة كالنقصان منه ، فجعل رفع القلم عن ثلاث : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن الصبي حتى يحتلم رحمه الله الزيادة كالنقصان ، وهي ثلاث سنين ، وقد [ ص: 27 ] حكي عن أبو حنيفة رحمه الله تسع عشرة سنة للغلام ، وهو محمول على استكمال ثماني عشرة سنة والدخول في التاسعة عشرة . أبي حنيفة
حجة رحمه الله ما روى الشافعي ابن عمر أنه عرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وله أربع عشرة سنة فلم يجزه ، وعرض عليه يوم الخندق وله خمس عشرة سنة فأجازه ، اعترض عليه فقال : هذا الخبر مضطرب لأن أبو بكر الرازي أحدا كان في سنة ثلاث والخندق في سنة خمس فكيف يكون بينهما سنة ؟ ثم مع ذلك فإن الإجازة في القتال لا تعلق لها بالبلوغ ؛ لأنه قد يرد البالغ لضعفه ، ويؤذن غير البالغ لقوته ولطاقته حمل السلاح ، ويدل على ذلك أنه عليه الصلاة والسلام ما سأله عن الاحتلام والسن .
البحث الثاني : اختلفوا في ، الإنبات هل يكون بلوغا وأصحابه ما جعلوه بلوغا ، فأبو حنيفة رحمه الله جعله بلوغا ، قال والشافعي رحمه الله : ظاهر قوله : ( أبو بكر الرازي والذين لم يبلغوا الحلم منكم ) ينفي أن يكون الإنبات بلوغا إذا لم يحتلم كما نفى كون خمس عشرة سنة بلوغا ، وكذلك قوله عليه السلام : وعن الصبي حتى يحتلم
حجة رحمه الله تعالى ما الشافعي عطية القرظي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل من أنبت من قريظة واستحياء من لم ينبت ، قال : فنظروا إلي فلم أكن قد أنبت فاستبقاني . روى
قال : هذا الحديث لا يجوز إثبات الشرع به وبمثله لوجوه : أبو بكر الرازي
أحدها : أن عطية هذا مجهول لا يعرف إلا من هذا الخبر لا سيما مع اعتراضه على الآية ، والخبر في نفي البلوغ إلا بالاحتلام .
وثانيها : أنه مختلف الألفاظ ، ففي بعضها أنه أمر بقتل من جرت عليه الموسى ، وفي بعضها من اخضر عذاره ، ومعلوم أنه لا يبلغ هذه الحال إلا وقد تقدم بلوغه ولا يكون قد جرت عليه الموسى إلا وهو رجل كبير ، فجعل الإنبات وجري الموسى عليه كناية عن بلوغ القدر الذي ذكرنا من السن وهي ثماني عشرة سنة فأكثر .
وثالثها : أن الإنبات يدل على القوة البدنية فالأمر بالقتل لذاك لا للبلوغ ، قال رحمه الله : هذه الاحتمالات مردودة بما روي أن الشافعي رضي الله عنه سئل عن غلام ، فقال : هل اخضر عذاره ؟ وهذا يدل على أن ذلك كان كالأمر المتفق عليه فيما بين الصحابة . عثمان بن عفان
البحث الثالث : ويروى عن قوم من السلف أنهم اعتبروا في البلوغ أن يبلغ الإنسان في طوله خمسة أشبار ، روي عن علي عليه السلام أنه قال : إذا بلغ الغلام خمسة أشبار فقد وقعت عليه الحدود ويقتص له ويقتص منه ، وعن ابن سيرين عن أنس قال : أتي أبو بكر بغلام قد سرق فأمر به فشبر فنقص أنملة فخلى عنه ، وهذا المذهب أخذ به في قوله : الفرزدق
ما زال مذ عقدت يداه إزاره وسما فأدرك خمسة الأشبار
وأكثر الفقهاء لا يقولون بهذا المذهب ، لأن الإنسان قد يكون دون البلوغ ويكون طويلا ، وفوق البلوغ ويكون قصيرا فلا عبرة به .