وههنا مسائل :
المسألة الأولى : احتجت المعتزلة على قولهم : إن الله تعالى متكلم بكلام يخلقه في جسم بقوله : ( من الشجرة ) فإن هذا صريح في موسى عليه السلام سمع النداء من الشجرة ، والمتكلم بذلك النداء هو الله سبحانه ، وهو تعالى منزه أن يكون في جسم ، فثبت أنه تعالى إنما يتكلم بخلق الكلام في جسم . أجاب القائلون بقدم الكلام ، فقالوا لنا مذهبان : أن
الأول : قول أبي منصور الماتريدي وأئمة ما وراء النهر وهو : أن غير مسموع ، إنما المسموع هو الصوت والحرف ، وذلك كان مخلوقا في الشجرة ومسموعا منها ، وعلى هذا التقدير زال السؤال . الكلام القديم القائم بذات الله تعالى
الثاني : قول وهو : أن الكلام الذي ليس بحرف ولا صوت يمكن أن يكون مسموعا ، كما أن الذات التي ليست بجسم ولا عرض يمكن أن تكون مرئية ، فعلى هذا القول لا يبعد أنه سمع الحرف والصوت من الشجرة ، وسمع الكلام القديم من الله تعالى لا من الشجرة ، فلا منافاة بين الأمرين ، واحتج أهل السنة بأن محل قوله : ( أبي الحسن الأشعري إني أنا الله رب العالمين ) لو كان هو الشجرة لكان قد قالت الشجرة : إني أنا الله ، والمعتزلة أجابوا بأن هذا إنما يلزم لو كان المتكلم بالكلام هو محل الكلام لا فاعله ، وهذا هو أصل المسألة ، أجاب أهل السنة بأن الذراع المسموم قال : لا تأكل مني ، فإني مسموم ، ففاعل ذلك الكلام هو الله تعالى ، فإن كان المتكلم بالكلام هو فاعل ذلك الكلام لزم أن يكون الله قد قال : لا تأكل مني فإني مسموم ، وهذا باطل وإن كان المتكلم هو محل الكلام لزم أن تكون الشجرة قد قالت : إني أنا الله ، وكل ذلك باطل .