كأن متنيه من النفي مواقع الطير من الصفي
وقد يكون بمعنى جمع واحدته صفاة ، قال جرير :
إنا إذا قرع العدو صفاتنا لاقوا لنا حجرا أصم صلودا
وفي كتاب الخليل : الصفا الحجر الضخم الصلب الأملس ، وإذا نعتوا الصخرة قالوا : صفاة صفواء ، وإذا ذكروا قالوا : صفا صفوان . فجعل الصفا والصفاة كأنهما في معنى واحد ، وقال : المبرد الصفا كل حجر لا يخالطه غيره من طين أو تراب متصل به ، واشتقاقه من صفا يصفو إذا خلص ، وأما المروة فقال الخليل : من الحجارة ما كان أبيض أملس صلبا شديد الصلابة ، وقاله غيره : هو الحجارة الصغيرة ، جمع في القليل مروات وفي الكثير مرو ، قال أبو ذؤيب :
حتى كأني للحوادث مروة بصفا المشاعر كل يوم يقرع
وأما ( شعائر الله ) فهي أعلام طاعته ، وكل شيء جعل علما من أعلام طاعة الله فهو من شعائر الله ، قال الله تعالى : ( والبدن جعلناها لكم من شعائر الله ) [ الحج : 36 ] أي علامة للقربة ، وقال : ( ذلك ومن يعظم شعائر الله ) [ الحج : 32 ] : معالم نسكه ومنه المشعر الحرام ، ومنه إشعار السنام : وهو أن يعلم بالمدية فيكون ذلك علما على إحرام صاحبها ، وعلى أنه قد جعله هديا لبيت الله ، ومنه الشعائر في الحرب ، وهو العلامة التي يتبين بها إحدى الفئتين من الأخرى ، والشعائر جمع شعيرة ، وهو مأخوذ من الإشعار الذي هو الإعلام ، ومنه قولك : شعرت بكذا ، أي علمت . وشعائر الحج
المسألة الثالثة : الشعائر إما أن نحملها على العبادات أو على النسك ، أو نحملها على مواضع العبادات والنسك ، فإن قلنا بالأول حصل في الكلام حذف ؛ لأن نفس الجبلين لا يصح وصفهما بأنهما دين ونسك ، فالمراد به أن الطواف بينهما والسعي من دين الله تعالى ، وإن قلنا بالثاني استقام ظاهر الكلام ؛ لأن هذين الجبلين يمكن أن يكونا موضعين للعبادات والمناسك ، وكيف كان فالسعي بين هذين الجبلين من شعائر الله ، ومن أعلام دينه ، وقد شرعه الله تعالى لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولإبراهيم - عليه السلام - قبل ذلك ، وهو من المناسك الذي حكى الله تعالى عن إبراهيم - عليه السلام - أنه قال : ( وأرنا مناسكنا ) واعلم أن ، فلهذا السر بين الله تعالى الموضع الذي فيه يصير السعي عبادة فقال : ( السعي ليس عبادة تامة في نفسه بل إنما يصير عبادة إذا صار بعضا من أبعاض الحج فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) .