الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن قال البائع : أنا أزيل العيب مثل أن nindex.php?page=treesubj&link=22987يبيع أرضا فيها حجارة مدفونة ، يضر تركها بالأرض ، فقال البائع : أنا أقلع ذلك في مدة لا أجرة لمثلها سقط حق المشتري من الرد ; لأن ضرر العيب يزول من غير أضرار ) .
( الشرح ) صورة المسألة أن يضر تركها ، ولا يضر قلعها ، وقد تقدم الكلام فيها في باب بيع الأصول والثمار ، وظاهر كلام المصنف هنا أن الخيار ثبت ، ويسقط بقول البائع ذلك ، والذي تقدم هناك وذكره الرافعي وغيره أنه يؤمر البائع بالقلع والنقل ولا خيار للمشتري ، والصواب ما قاله المصنف رحمه الله هنا وأنه يثبت الخيار ثم يسقط . وكلامهم هنا محمول على هذا ، ألا ترى أن الرافعي وغيره قاسوا ذلك على ما لو nindex.php?page=treesubj&link=22987اشترى دارا يلحق بسقفها خلل يسير يمكن تداركه في الحال ، أو كانت منسدة البالوعة فقال البائع : أنا أصلحه وأبيعها لا خيار للمشتري فهذا الكلام ناطق بأن عدم الخيار مرتب على قول البائع ، ويظهر أثر هذا فيما لو بادر المشتري وفسخ قبل أن يقول البائع ذلك ، فعلى ما قلته ينفذ فسخه ولا عبرة بقول البائع بعد ذلك ، وإطلاق المصنف والرافعي وغيرهما أيضا السقوط بقول البائع : أنا أقلع ينبغي أن يكون محمولا على ما إذا قلع . أما إذا اقتصر على القول فسقوط الخيار به غير متجه لبقاء العيب . والعبارة المحررة ما ذكروه في كتاب الإجارة ويقتضيه كلامالإمام هنا أيضا أن الخيار ثابت إلا إذا بادر المكتري إلى الإصلاح . هذا إذا كان اشتمال الأرض على الحجارة المذكورة منقصا لها ، وهو ما يقتضيه ذكرهم لذلك في العيوب ، فإن فرض أن الحجارة المذكورة لقرب زمان نقلها لا يعد اشتمال الأرض عليها عيبا صح إطلاقه أنه لا خيار ويلزم البائع بنقلها ، ولكن ذلك خلاف المفروض وأيضا لا يبقى حينئذ بقول البائع : أنا أقلع أثر ; لأنه يلزم به ولا خيار للمشتري قبله ولا بعده .
[ ص: 361 ] فالصواب ما يوافق عباراتهم في الإجارة ، فإن الخيار ثابت إلا إذا بادر البائع إلى القلع في مدة لا أجرة لمثلها . وحينئذ تكون العلة أن ضرر العيب زال . وأما تعليل المصنف بأنه يزول فيناسب عدم ثبوت الخيار أصلا ، وهو لم يقل به ، ولا ينحى عن ذلك إلا أن يقال : إن بقاء الأحجار مع امتناع البائع من قلعها عيب ، وبدون امتناعه ليس بعيب وهو بعيد ; إذ يقال : إن إشغال الأرض بالحجارة مانع من كمال صفة القبض فيها كما تقدم . وذلك عن بعض الأصحاب ، فامتناع الحجارة مع امتناع البائع من قلعها كالعيب الحادث قبل القبض . ولم يذهب أحد هنا إلى ثبوت الخيار مع مبادرة البائع إلى القلع أخذا من أن وجود الأحجار في الأرض عيب ، وزوالها بقول البائع أو بفعله كزوال العيب قبل الرد ، وفيه وجه كما تقدم . وكأن الفرق ضعف الخيار ههنا ، لكون البائع مسلطا على إسقاطه ، أو لأنه زال قبل كمال القبض ، وليس كالعيب الزائل بعد القبض ، أو لأن هذا الزوال بفعل البائع ففيه استدراك للظلامة ، بخلاف الزوال بنفسه . وبعد أن كتبت ذلك رأيت ابن معن أورده على المصنف رحمه الله وزعم أنه تناقض بين ما ذكره هنا وفي الإجارة من سقوط الخيار ، وبين ما تقدم من حكايته الوجهين في زوال العيب قبل الرد ، وادعى الأولوية في طرد الوجهين هنا ، وكذلك ابن الردي قال : أرى أن تكون المسألة الثانية كالمسألة الأولى على وجهين ، بل أولى لأنه إذا كان بعد رد العيب وجهان ، فمع بقائه أولى . وما ذكرته جواب عنه ، وليس المصنف مختصا بذلك .
وقوله : لا أجرة لمثلها ، قيد لا بد منه ليتحقق عدم الإضرار ، ولو كانت الحجارة يضر قلعها ، أو قلعها وتركها ، فقد تقدم الكلام في ذلك فيما لا يضر في باب بيع الأصول والثمار . وقوله : مدفونة ، يحترز عن المخلوقة . وقد تقدم حكمها . ومن الواضحات أن فرض المسألة في حالة جهل المشتري بالحجارة .