فصل في بيان النوع الثاني من المحرمات إلى أمد وهن ( تحرم عليه زوجة غيره ) لقوله تعالى { المحرمات لعارض يزول والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } ( 1 ) .
( و ) تحرم أيضا عليه ( المعتدة ) من غيره لقوله { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } ( 2 ) ( و ) تحرم أيضا ( المستبرأة منه ) أي من غيره لأن تزوجها زمن استبرائها يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب ، وسواء في ذلك المعتدة ، والمستبرأة ( من وطء مباح أو محرم ) كشبهة وزنا ( أو من غير وطء ) كالمتوفى عنها زوجها قبل الدخول ، لعموم ما تقدم .
( و ) كذا ( ) لا يصح نكاحها لغيره حتى تزول [ ص: 83 ] الريبة ويأتي في العدد ( المرتابة بعد العدة بالحمل حتى تتوب وتنقضي عدتها ) لقوله تعالى { وتحرم الزانية إذا علم زناها على الزاني وغيره والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } وهو خبر ومعناه النهي ولمفهوم قوله تعالى { والمحصنات من المؤمنات } ( 2 ) وهن العفائف ولقوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين : { } يعني إتيان الحبالى رواه لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره أبو داود والترمذي وحسنه .
( فإن كانت ) الزانية ( حاملا منه ) أي من الزنا ( لم يحل نكاحها قبل الوضع ) لما سبق ( وتوبتها ) أي الزانية ( أن تراود عليه ) أي الزنا ( فتمتنع ) منه " لما روي أنه قيل كيف تعرف توبتها : قال يريدها على ذلك : فإن طاوعته فلم تتب ، وإن أبت فقد تابت " فصار لعمر إلى قول أحمد اتباعا له . عمر
قال في الاختيارات : وعلى هذا كل من أراد مخالطة إنسان امتحنه ، حتى يعرف بره أو فجوره أو توبته ويسأل ذلك من يعرفه ( وقيل توبتها ) أي الزانية ( كتوبة غيرها ) ندم وإقلاع وعزم أن لا تعود ( من غير مراودة ) واختاره وغيره وقال لا ينبغي امتحانها بطلب الزنا منها بحال . الموفق
وقدمه في الفروع ( فإذا تابت ) من الزنا وانقضت عدتها ( حل نكاحها للزاني وغيره ) عند أكثر أهل العلم منهم أبو بكر وابنه وعمر وابن عباس وروي عن وجابر ابن مسعود والبراء بن عازب وعائشة " أنها لا تحل للزاني بحال " فيحتمل أنهم أرادوا بذلك ما قبل التوبة أو قبل استبرائها فيكون كقولنا .
( ولا يشترط ) لصحة نكاحها ( توبة الزاني بها إذا نكحها ) أي إذا أراد أن ينكح الزانية كالزاني بغيرها ( وإن ( أو ) زنت امرأة ) قبل الدخول أو بعده لم ينفسخ النكاح لم ينفسخ النكاح ) بالزنا لأنه معصية لا تخرج عن الإسلام أشبه السرقة ، لكن لا يطؤها حتى تعتد إذا كانت هي الزانية ويأتي . زنى ( رجل قبل الدخول ) بزوجته ( أو بعده
واستحب للزوج مفارقته امرأته إذا زنت وقال لا أرى أن يمسك مثل هذه لأنه لا يأمن من أن تفسد فراشه ، وتلحق به ولدا ليس منه وإن أحمد لم يطأ زوجته حتى تنقضي عدة أختها وإن زنى بأخت زوجته انفسخ النكاح . زنى بأم زوجته أو بنتها
( ولا يطأ الرجل أمته إذا علم منها فجورا ) أي زنا حتى تتوب ويستبرئها خشية أن تلحق به ولدا [ ص: 84 ] وليس منه قال أكره أن أطأ أمتي وقد بغت . ابن مسعود
( ) بكلمة أو كلمات ( حتى تنكح زوجا غيره ) نكاحا صحيحا ويطؤها لقوله تعالى { وتحرم مطلقته ثلاثا فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } { لامرأة رفاعة لما أن أرادت أن ترجع إليه بعد أن طلقها ثلاثا وتزوجت بعبد الرحمن بن الزبير لا حتى تذوقي عسيلته } ( ويأتي في الرجعة بأبسط من هذا ولقوله صلى الله عليه وسلم ) . وتحرم المحرمة حتى تحل
لحديث { مسلم } ( وتقدم في محظورات الإحرام ) بأوسع من هذا ( لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا - يخطب ) حتى يسلم لقوله تعالى { ولا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } وقوله { فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } .
لقوله تعالى { ( ولا ) يحل ( لمسلم ولو ) كان ( عبدا نكاح كافرة ) ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } ولقوله { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } ( إلا حرار نساء أهل الكتاب ولو ) كن ( حربيات ) لقوله تعالى { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } .
لقوله تعالى { ولا يحل لمسلم ولو عبدا نكاح أمة كتابية من فتياتكم المؤمنات } ولئلا يؤدي إلى استرقاق الكافر ولدها المسلم ( والأولى أن لا يتزوج من نسائهم وقال الشيخ : يكره ) .
أي مع وجود الحرائر المسلمات قال في الاختيارات وقاله وأكثر العلماء لقول القاضي للذين تزوجوا من نساء أهل الكتاب " طلقوهن " و ( ك ) أكل ( ذبائحهم بلا حاجة ) تدعو إليه ومنع النبي صلى الله عليه وسلم من نكاح كتابية ( و ) منع ( أيضا من نكاح أمة مطلقا ) أي مسلمة كانت أو كتابية وتقدم في الخصائص موضحا . عمر
( وأهل الكتاب هم أهل التوراة والإنجيل ) لقوله تعالى { أن تقولوا إنما [ ص: 85 ] أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } ( كاليهود والسامرة ) فرقة من اليهود والنصارى ومن وافقهم من الإفرنج والأرمن وغيرهم فأما المتمسك من الكفار بصحف إبراهيم وشيث وزبور داود ( فليسوا بأهل كتاب ) للآية السابقة و لأن تلك الكتب ليست بشرائع إنما هي مواعظ وأمثال ف ( لا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم كالمجوس وأهل الأوثان وكمن أحد أبويها غير كتابي ولو اختارت دين أهل الكتاب ) لأنها لم تتمحض كتابية ولأنها مولدة بين من يحل وبين من لا يحل فلم تحل كالسمع والبغل .
وعلم منه أنه لو كان أبواها غير كتابيين واختارت دين أهل الكتاب لم تحل لمسلم قال في الإنصاف والمبدع وهو المذهب وقدمه في الفروع وقيل تحل اعتبارا بنفسها اختاره الشيخ تقي الدين وقطع به المصنف في أواخر أحكام الذمة .
( و ) ويحل لكتابي أيضا ( وطؤها ) أي المجوسية ( بملك يمين ) كالمسلم ينكح الكتابية ويطؤها بملك اليمين ( ولا ) يحل ( لكتابي نكاح مجوسية ) نصا ) لأنها أشرف منه فإن ملكها فله وطؤها على الصحيح قدمه في الرعايتين قاله في الإنصاف . يحل ( لمجوسي ) نكاح ( كتابية
( وتحل نساء بني تغلب ومن في معناهن من نصارى العرب و ) من ( يهودهم ) لأنهن كتابيات فيدخلن في عموم الآية ( والدروز والنصيرية والتبانية ) فرق بجبل الشوف وكسروان لهم أحوال شنيعة وظهرت لهم شوكة أزالها الله تعالى ( لا تحل ذبائحهم ولا يحل نكاح نسائهم ولا أن ينكحهم المسلم وليته ) .
قلت : حكمهم كالمرتدين ( على أي دين كانت ) عليه وإن تدينت بدين أهل الكتاب لأنها لا تقر على دينها . والمرتدة يحرم نكاحها