الفصـل الثـاني
القـرآن.. والتاريخ
كما أوضحنا، في الفصـل الأول من هذه الدراسـة، فإن القرآن الكريم قد وصف أمما سبقت أمة الإسلام وخلت من قبلها، عيشا ووجودا وتواصلا مع الحياة، وهذه الأمم قد خلفت ذكرا وعبرا، والمسلمون مأمورون بالتفكر في سير هذه الأمم وما مرت بهم من أحداث ووقائع للتدبر والاتعاظ وإجمال النظر، وربما كان مبحث علم «أسلمة التاريخ» يقوم في جانب منه على استنباط معاني المعرفة من آيات القرآن، التي وصفت تلك الأمم؛ وهو أيضا ما برزت منه مقاربات استشراف المستقبل من خلال التدبر في كتاب الله عز وجل، واستشراف المستقبل ضمن أحد مقاصد فلسفة التاريخ الإسلامية.
وقد أجمل عماد الدين خليل كيف أن كتاب الله قد احتوى على معاني تصور التاريخ وإدراكه من خلال تقديم وصف محقق لأحوال تطور الإنسانية والحضارة، ومقومات الوجود الإنساني، يقول خليل في نص طويل نقتبسه هنا:
«وبإلقاء نظرة أولية على المعطيات القرآنية بخصوص التاريخ والحضارة نجد أنفسنا قبالة اهتمام ملحوظ بالمحاور والموضوعات التالية:
[ ص: 56 ] نشأة الكون، إعداد العالم للحياة البشرية، خلق الإنسان، النبوات، جوانب من تاريخ الجماعات والأقوام السـابقة، عصر الرسالة، بعض النبوءات التاريخية، السـنن والنواميس التاريخيـة، الإرادة الإلهيـة، الفعل الإلهي المباشر في التاريخ، الفعل الإلهي غير المباشر، المعجزات، الإرادة البشرية، الزمن، البعد الغيبي، الموت والخلود، القدر والحرية، الإنسان والواقعة التاريخية، تفرد الإنسان، الدوافع البشرية، الروح والجسد، الفرد والجماعة، البطل والجمهور والشروط الحضارية للدور البشري في العالم، الاستخلاف، التسخير، المفهوم الحضاري للعبادة، الوفاق والانشقاق، العبث والغائية، الإصلاح والإفساد، الإنسان والكتلة، العقل والحس والإرادة، العمل، الإيمان كعامل حضاري، نسبية الوجود البشري في العالم، الصراع بأنماطه كافة، الانهيار الحضاري، التمحيص والاختبار، المداولة، التغيير الذاتي، الحركة الجهادية، اتجاهات السقوط السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والعقائدية، الطاغوت والجماهير، التوازن والانحراف، المصير الدنيوي والأخروي، أنماط السقوط والانبعاث.
عموما، فإن القرآن الكريم يرسم هيكلية متكاملة للمحاور الأساسية الثلاثة للفعل التاريخي والصيرورة الحضارية: (الواقعة التاريخية) ، (نشوء [ ص: 57 ] الحضارات ونموها) ، (تدهور الحضارات وانحلالها) ، وهو يغذي كل واحد من هذه المحاور بحشود خصبة من المفردات تكاد تضيء معظم مساحاتها»
[1] .