[ ص: 394 ] مسألة : ومن ؟ لم ينفذ من ذلك شيء إلا بالقرعة فمن خرج سهمه صح فيه العتق ، سواء مات العبد بعد الموصي وقبل القرعة ، أو عاش إلى حين القرعة . أوصى بعتق رقيق له لا يملك غيرهم ، أو كانوا أكثر من ثلاثة
ومن خرج سهمه كان باقيا على الرق سواء مات قبل القرعة أو عاش إليها ؟ فإن شرع السهم في بعض مملوك عتق منه ما حمل الثلث بلا استسعاء ، وعتق باقيه واستسعى للورثة في قيمة ما بقي منه بعد الثلث .
فلو سماهم بأسمائهم بدئ بالذي سمى أولا فأولا ، فإذا تم الثلث رق الباقون - فلو شرع أعتق كله واستسعى للورثة فيما زاد منه على الثلث ، فلو أعتق جزءا مسمى من كل مملوك منهم باسمه أعتق ذلك الجزء - إن كان الثلث فأقل - وأعتق باقيهم ، واستسعوا فيما زاد على الثلث أو فيما زاد على ما أوصى به مما هو دون الثلث . العتق في بعض مملوك
فإن أعتق من كل واحد منهم باسمه أو جملة أكثر من الثلث أقرع بينهم إن أجملهم فإذا تم الثلث رق الباقون إلا أن يشرع العتق في واحد منهم فيعتق ويستسعي فيما زاد على الثلث ، ويبدأ بالأول فالأول - إن سماهم بأسمائهم - فإذا تم الثلث رق الباقون ، إلا من شرع فيه العتق ، فإنه يستسعي فيما زاد منه على الثلث .
برهان صحة قولنا - : أنه إذا أعتق في وصيته الثلث من كل واحد منهم فأقل ، فإنه لم يتعد ما أمره الله تعالى إذ له أن يوصي بالثلث فينفذ قوله .
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أوردناه في " كتاب العتق " من ديواننا هذا بإسناده فيمن أعتق شركا له في مملوك فإنه حر كله ويستسعي في حصة شريكه والورثة هاهنا شركاء للموصي ، فقد عتق المماليك كلهم بحكم الله تعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام ويستسعون في حصة الورثة - .
وبالله تعالى التوفيق .
وأما إذا ، أو أعتق في وصيته جميعهم وسماهم بأسمائهم ؟ فاليقين يدري كل مسلم أن أول من سمي منهم ، فإنه لم يجر في ذلك ، ولا خالف الحق ، بل أوصى كما أبيح له فهي وصية بر [ ص: 395 ] وتقوى ، وهكذا حتى يتم الثلث ، فوجب تنفيذ وصيته لصحتها ، وأن يستسعي المعتقون في حصص الورثة الذين هم شركاء الموصي حين وجوب الوصية ولم يعتقوا حصصهم . أعتق في وصيته أكثر من ثلث كل واحد منهم وسماهم بأسمائهم
وكان الموصي في وصيته فيما زاد على ثلثه مبطلا عاصيا ، مخالفا للحق إن كان عالما ، أو مخطئا مخالفا للحق فقط ، معفوا عنه إن كان غير عالم ، والباطل عدوان فقط ، أو إثم وعدوان ساقط لا يحل إنفاذه - قال تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان }
فوجب إبطال ما زاد على الثلث كما ذكرنا - وبالله تعالى التوفيق .
وأما إذا ، فبالضرورة والمشاهدة يدري كل مسلم أنه خلط الوصية بعتق من لا يجوز له أن يوصي بعتقه ، مع الوصية بعتق من لا يحل له أن يوصي بعتقه ، ولا يدري غير الله تعالى أيهم المستحق للعتق ، وأيهم لا ، فصاروا جملة فيها حق لله تعالى في أحرار ، أو في حر لا يعرف بعينه ، وفيها حق للورثة في رقيق لا يعرف بعينه ، فلا بد من القسمة ليميز حق الله تعالى من حق الورثة ، كما أمر الله عز وجل أن يعطي كل ذي حق حقه ، ولا سبيل إلى تمييز الحقوق والأنصباء في القسمة إلا بالقرعة ; فوجب الإقراع بينهم ، فأيهم خرج عليه سهم العتق علمنا أنه الذي استحق العتق بموت الموصي ، وأنه هو حق الله تعالى من تلك الجملة - مات قبل القرعة أو لم يمت - وأيهم خرج عليه سهم الرق علمنا أنه لم يوص فيه الموصي وصية جائزة ، وأنه هو حق الورثة من تلك الجملة قد ملكوه بموت الموصي - مات قبل القرعة أو لم يمت . أجمل في وصيته عتقهم ، أو أجمل عتق ما زاد على الثلث من كل واحد منهم في وصيته
فإن شرع العتق في مملوك أعتق واستسعى فيما زاد منه على ما عتق بالقرعة ; لأن الورثة شركاء الموصي فيه ، وهكذا كل ما أوصى فيه بالثلث فأقل من حيوان أو عقار أو متاع .
ولا بد من تمييز حق الوصية من حق الورثة ، ولا يكون ذلك إلا بتعديل القيمة والقرعة ، وقد جاء أيضا في هذا أثر صحيح ، يؤكد ما قلنا ، ولو لم يأت لكان الحكم ما وصفنا لما ذكرنا من وجوب تمييز حق الوصية من حق الورثة - وبالله تعالى التوفيق .
روينا من طريق نا مسلم إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - وابن أبي عمر ، [ ص: 396 ] كلاهما عن - عن الثقفي - هو عبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب السختياني عن أبي قلابة أبي المهلب عن { عمران بن الحصين } . أن رجلا أوصى عند موته فأعتق ستة مملوكين له لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم النبي صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة ، وقال له قولا شديدا
وقد اختلف الناس في هذا ، ونقول - : إننا لم نجد لأحد من الصحابة رضي الله عنهم ، ولا لأحد من التابعين رحمهم الله في الوصية بالعتق ، فيما هو أكثر من الثلث شيئا ، إلا وحده : فيمن لعطاء ، فإنه يعتق كله ، ويستسعي للورثة في قيمة ثلثيه . أوصى بعتق ثلث عبد له لا مال له غيره
ومن طريق أنا ابن أبي شيبة عن هشيم إسماعيل بن سالم عن الشعبي قال : من أوصى بعتق مملوك له فهو من الثلث ، فإن كان أكثر من الثلث سعى فيما زاد - وهو قولنا - وأما سائرهم فإنما وجدنا عنهم من أعتق من ثلثه عند موته ، ونحن من لا يعطي نصوص الروايات نصا مما يحرفها عن مواضعها - وقد أعاذنا الله تعالى من ذلك - والحمد لله على نعمه كثيرا .
وقد يمكن لهم في الوصية قول غير قولهم فيمن أعتق عند موته ، ومن منع من ذلك عنهم ، فقد قفا ما لا علم له به ، وأوقع نهي الله تعالى له عن ذلك ، واستسهل الكذب والقطع بالظن .
وأما نحن فلا نورد إلا ما روينا ، ولا نحكي ما لم نسمع ، ولا نخبر بما لم يبلغنا وحاش لله من هذا الرتبة المهلكة في الدنيا والآخرة ، وسنذكر الروايات التي بلغتنا في ذلك - إن شاء الله تعالى - إثر تمام هذه المسألة " في مسألة " وبالله تعالى التوفيق . حكم المريض ومن حضره الموت في ماله
فإذ الأمر كما ذكرنا فلنذكر ما وجدنا عن المتأخرين المصرحين بما قالوا في - : قال حكم الوصية بعتق أكثر من الثلث : من أوصى بعتق مماليك له لا يملك غيرهم وكانوا أكثر من الثلث أعتقوا كلهم ، واستسعوا جميعهم فيما زاد من قيمتهم على مقدار ثلث الموصي . [ ص: 397 ] وقال أبو حنيفة : من أوصى بعتق جزء من عبده لم يعتق منه إلا ما أوصى بعتقه منه فقط ورق باقيه - سواء حمله الثلث كله أو قصر عنه - . مالك
فإن لم يحمل الثلث ما أوصى بعتقه لم يعتق منه إلا ما حمل الثلث مما أوصى بعتقه منه ورق سائره .
فإن فإنه يعتق من كل واحد منهم ما حمله الثلث فقط ويرق سائره . أوصى بعتق عبيده أو دبرهم
فلو دبر في صحته أو في مرضه بدئ بالأول فالأول على رتبة تدبيره لهم ، فإذا تم الثلث رق الباقون ورق باقي من لم يحمل الثلث جميعه .
وقال : من الشافعي قوموا ثم أقرع بينهم فأعتق منهم ما حمله الثلث ورق سائرهم ، ويرق باقي من لم يحمل الثلث جميعه . أوصى بعتق رقيق له لا يحملهم الثلث
قال : أما قول أبو محمد - فاقتصر على خبر الشافعي الذي ذكرنا وترك خبر الاستسعاء ، وقد ذكرناه بإسناده في " كتاب العتق " من ديواننا هذا ولا يجوز ترك شيء من السنن الثابتة . عمران بن الحصين
وأما قول - فمخالف لجميع السنن الواردة في ذلك لا بحديث القرعة الذي رواه مالك أخذ ، ولا بحديث عمران ، أبي هريرة ، في التقويم على من أعتق شركا له في مملوك أخذ ، والموصي شريك للورثة في العبد الذي أعتق ، وفي الاستسعاء - وهذا لا يجوز ألبتة . وابن عمر
وأما : فاقتصر على حديث الاستسعاء وخالف خبر أبو حنيفة - ولا يجوز ترك شيء من السنن الثابتة . عمران بن الحصين
واعتلوا في رد خبر بأشياء فاسدة - : منها أنهم قالوا : لو كانت القرعة تستعمل كما قضى بها عمران بن الحصين علي باليمن في - ثم نسخ ذلك ، وأجمع المسلمون على تركه . الولد الذي ادعاه ثلاثة رجال فألحقه بالذي خرج سهمه عليه
قال : وقد كذبوا ، ما نسخ ذلك قط ، وكيف يجمع المسلمون على تركه [ ص: 398 ] وقد قضى به أبو محمد رضي الله عنه علي باليمن ، وأقره النبي عليه الصلاة والسلام وعلمه ، ومات عليه الصلاة والسلام إلى نحو ثلاثة أشهر ؟ فمن ذا الذي نسخ ذلك ؟ ولعنة الله على كل إجماع يخرج عنه ومن بحضرته من الصحابة . علي بن أبي طالب
وما وجدنا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا من التابعين إنكارا لفعل في ذلك وحكمه ، فمن أكذب من أصحاب هذه الدعاوى ؟ والعجب كله في مخالفتهم حكم علي بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ثابت صحيح وأخذهم في المسألة نفسها برواية فاسدة لا تصح ، نسبت إلى علي رضي الله عنه من إلحاقه الولد بأبوين - والقرآن والسنة والمعقول يبطل ذلك . عمر
وقالوا : إن من أخذ بحديث في القرعة قد خالفه فيمن بدأ بعتق الأول فالأول في وصيته ، فكذبوا ، ما خالفنا خبر عمران بن الحصين لأنه ليس في خبر عمران : أنه بدأ بالوصية بأسمائهم اسما اسما ، وإنما لفظه أنه يقتضي عتقه لهم بالوصية جملة واحدة ؟ فلم نتعد لفظ الخبر إلى ما ليس فيه . عمران
وقالوا : وجدنا حديث مضطربا فيه ، فمرة رواه عمران بن الحصين عن أبو قلابة أبي المهلب عن ، ومرة رواه عن عمران أبي زيد : أن رجلا من الأنصار ؟ قال : فكان ماذا ؟ وما يتعلل بهذا إلا قليل الحياء - : رواه أبو محمد عن أبو قلابة أبي زيد - وهو مجهول - فلم يحتج به .
ورواه عن أبي المهلب عن فأسند وثبت ، فأخذنا به . عمران بن الحصين
وأي نكرة في رواية رجل من أهل العلم خبرا واحدا من عشر طرق ، منها صحيح ومنها مدخول ، وكل خبر في الأرض فإنه ينقله الثقة وغير الثقة ، فيؤخذ نقل الثقة ويترك ما عداه .
وقالوا : وجدنا معتق عبيده بالوصية قد كان مالكا لثلث جميعهم ، وإذ ذلك كذلك فقد عتق ثلث كل واحد منهم بالحق ، فلا يجوز أن يرق من وقع عليه العتق ؟ [ ص: 399 ] فقلنا : صدقتم إلا أن هذا الموصي بعتق جميعهم ، لم يعتق قط ثلث كل واحد منهم ، إنما أعتقهم جملة ، فكان فعله ذلك جامعا لباطل وحق ، فلم يمكن إنفاذ ذلك ومعرفته إلا بالقرعة ، وما وقع العتق قط على جميعهم ، لكن على بعضهم دون بعض ، فلم يكن بد من القرعة في تمييز ذلك .
ونسألهم هاهنا : عمن أينفذون ذلك برغم الورثة فينسلخوا عن الإسلام ؟ أم يبطلون وصيته فيفسقوا ؟ أم يقسمون الثلث للوصية والثلثين لورثته بالقرعة ؟ وهذا الذي أنكروا . أوصى بجميع غنمه ، ولا مال له غيرها ، أو بجميع خيله ولا مال له غيرها ، أو بجميع عبيده في أهل الجهاد في الثغور ولا مال له غيرهم ،
وقالوا : لما تساووا كلهم في السبب الموجب للعتق دون تفاضل لم يجز أن يحابي بإنفاذه بعضهم دون بعض ؟ فقلنا : كذبتم ما استووا قط في السبب الموجب للعتق ; لأن ذلك السبب هو الوصية بعتقهم ، وقد وقعت في بعضهم بحق وجب تنفيذه ، وفي بعضهم بحرام لا يحل تنفيذه - وهو ما زاد على الثلث - فلم يكن بد في تمييز ذلك من القرعة .
وقالوا : يحتمل أن يكون قول { عمران } أي شائعين في الجميع ، كما يقول " { فأعتق اثنين } يعني شائعة في الجميع - وذكروا أخبارا لا تصح فيها - فأعتق الثلث ؟ فقلنا : جمعتم في هذا الكذب والمجاهرة به ; لأن في حديث في كل أربعين شاة شاة { عمران } فبطل ما رمتم إقحامه في الخبر - وما كانت الشاة قط شائعة في الأربعين ، بل واحدة بغير عينها ، أيها أعطى مما فيه وفاء : فقد أدى ما عليه . وأرق أربعة
وقالوا : هذا قضاء من النبي صلى الله عليه وسلم وليس عموم اسم يتناول ما تحته ؟ فنقول لهم : هلا قلتم هذا لأنفسكم إذ جعلتم الخطبة فرضا في الجمعة - وهو فعل لا عموم اسم - وإذ قضيتم بجواز الوضوء بالنبيذ في خبر مكذوب ثم هو فعل وليس عموم اسم - لا يحتمل قولهم هذا إلا تجوير النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا كفر مجرد .
وقالوا : هذا من باب القمار ، والميسر ؟ [ ص: 400 ] قال : وهذا كفر مكشوف مجرد من نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه حكم بالقمار ، والميسر ، ونحن براء منه وكفى ؟ قال الله تعالى : ( { أبو محمد فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } ) فنحن حكمناه عليه الصلاة والسلام فيما شجر بيننا ، ثم لم نجد في أنفسنا حرجا مما قضى وسلمنا تسليما ، وهم لم يحكموه فيما شجر بينهم ، ثم وجدوا في أنفسهم الحرج مما قضى ، ولم يسلموا تسليما - فتبا لهم وسحقا .
وقالوا : هذا من أخبار الآحاد ، ولا يجوز أن يعترض به على الأصول ؟ فقلنا : هذا أبرد مما أتيتم به ، وما علمنا في الدين أصولا إلا القرآن وبيانه ، مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء بنقل ثقة عن مثله مسندا ، أو بنقل تواتر - وأما فرقكم فضلال ودعوى كاذبة ، وإفك مطرح { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين }
فبطل كل ما موهوا به - والحمد لله رب العالمين .