( قال ) وإذا إن كان الصيد يباع ويشترى في ذلك الموضع ، وإلا ففي أقرب المواضع من ذلك الموضع مما يباع ذلك الصيد ويشترى في ذلك الموضع مما له نظير من النعم أو لا نظير له في قول قتل المحرم صيدا فعليه قيمة الصيد في الموضع الذي قتله فيه أبي حنيفة رحمهما الله تعالى ، وقال وأبي يوسف محمد رحمهما الله تعالى فيما له نظير ينظر إلى نظيره من النعم الذي يشبهه في المنظر لا إلى القيمة حتى يجب في النعامة بدنة ، وفي حمار الوحش بقرة ، وفي الظبي شاة ، وفي الأرانب عناق في اليربوع جفرة . وقال والشافعي رحمه الله تعالى في الحمامة شاة ، وهو قول الشافعي ، وزعم أن بينهما مشابهة من حيث إن كل واحد منهما يعب ، ويهدر ، وفيما لا نظير له تعتبر القيمة ، واحتجا في ذلك بقوله تعالى { ابن أبي ليلى فجزاء مثل ما قتل من النعم } ، وحقيقة المثل ما يماثل الشيء صورة ومعنى ، ولا يجوز العدول عن الحقيقة إلى المجاز إلا عند تعذر العمل بالحقيقة ، والنظير مثل صورة ومعنى [ ص: 83 ] والقيمة مثل معنى لا صورة ، وفي قوله من النعم تنصيص على أن المعتبر هو المثل صورة .
وعلى هذا اتفقت الصحابة رضي الله تعالى عنهم نقل ذلك عن علي وعمر رضي الله تعالى عنهم أنهم أوجبوا ما سمينا من النظائر وعبد الله بن مسعود وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى أخذا بقول وأبو يوسف رضي الله تعالى عنه فإنه فسر المثل بالقيمة ، والمعنى الفقهي يشهد له فإن الحيوان لا مثل له من جنسه ألا ترى أن في حق حقوق العبادة يكون الحيوان مضمونا بالقيمة دون المثل فكذلك في حقوق الله تعالى ، وكما أن المثل منصوص عليه هنا فكذلك في حقوق العباد في قوله تعالى { ابن عباس فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } يوضحه أن المماثلة بين الشيئين عند اتحاد الجنس أبلغ منه عند اختلاف الجنس فإذا لم تكن النعامة مثلا للنعامة كيف تكون البدنة مثلا للنعامة ، والمثل من الأسماء المشتركة فمن ضرورة كون الشيء مثلا لغيره أن يكون ذلك الغير مثلا له ثم لا تكون النعامة مثلا للبدنة عند الإتلاف فكذلك لا تكون البدنة مثلا للنعامة ، وإذا تعذر اعتبار المماثلة صورة وجب اعتبارها بالمعنى ، وهو القيمة فأما قوله من النعم فقد قيل فيه تقديم وتأخير ، ومعناه فجزاء مثل ما قتل يحكم به ذوا عدل منكم من النعم هديا بالغ الكعبة ثم ذكر الأصمعي ، وأبو عبيدة أن اسم النعم يتناول الأهلي والوحشي جميعا ، ومعناه فجزاء قيمة ما قتل من النعم الوحشي ، وحمله على هذا أولى لأن قوله فجزاء مصدر ، وما ذكر بعده وصف فإنما يكون وصفا للمذكور ، وذلك إذا حمل على ما بينا ، وإيجاب الصحابة رضي الله عنهم لهذه النظائر لا باعتبار أعيانها بل باعتبار القيمة إلا أنهم كانوا أرباب المواشي فكان ذلك أيسر عليهم من النقود ، وهو نظير ما قال رضي الله عنه ولد المغرور يفك الغلام بالغلام ، والجارية بالجارية . المراد القيمة ، والاختلاف في هذه المسألة في فصول أحدها ما بينا ، والثاني أن الذي أتى الحكمين يقوم الصيد فإذا ظهرت قيمته فالخيار إلى المحرم بين التكفير بالهدي والإطعام والصيام في قول علي أبي حنيفة رحمهما الله تعالى ، وعند وأبي يوسف رحمه الله تعالى الخيار إلى الحكمين فإذا عينا نوعا عليه يلزمه التكفير به بعينه فأما اعتبار الحكمين بالنص ، وهو قوله تعالى { محمد يحكم به ذوا عدل منكم } .
وعلى طريقة القياس يكفي الواحد للتقويم ، وإن كان المثنى أحوط ، ولكن يعتبر المثنى بالنص ، وبيانه في حديث رضي الله عنه فإن رجلين أتياه فقال أحدهما إن صاحبي هذا كان محرما ، وإنه رمى إلى ظبي ، وأصاب أحشاءه فماذا يجب عليه فسار عمر عمر رضي الله تعالى عنه بشيء [ ص: 84 ] ثم قال عليه شاة فقاما من عنده وجعل السائل يقول لصاحبه إن فتوى أمير المؤمنين لا تغني عنك شيئا ألا ترى أنه لم يعرفه حتى سأل غيره فأرى أن تنحر راحلتك هذه ، وتعظم شعائر الله فسمع ذلك عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فدعاه وعلاه بالدرة فقال يا أمير المؤمنين إني لا أحل لك من نفسي شيئا حرم الله عليك فانظر لنفسك فقال عمر رضي الله عنه أراك حسن اللهجة والبيان أما سمعت الله يقول { عمر يحكم به ذوا عدل منكم } فأنا ذو عدل وعبد الرحمن ذو عدل ، ومن يعمل بكتاب الله تعالى يسمى جاهلا فيكم فتاب الرجل عن مقالته ثم احتج رحمه الله تعالى بظاهر الآية فإنه قال { محمد يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة } فذكر الهدي منصوبا على أنه تفسير لقوله يحكم أو مفعول حكم الحكم فهو تنصيص على أن التعيين إلى الحاكم ، وفي تسمية الله تعالى فعلهما حكما دليل ظاهر على أن الإلزام إليهما ، وليس إليهما إلزام أصل الواجب فعرفنا أن إليهما التعيين وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى قالا الحاجة إلى الحكمين لإظهار قيمة الصيد فبعد ما ظهرت القيمة فهي كفارة واجبة على المحرم فإليه التعيين لما يؤدي به الواجب كما في كفارة اليمين ، وكما في ضمان قيم المتلفات فإن تعيين ما يؤدى به الضمان إليه دون المقومين فكذا في هذا الموضع . وأبو يوسف
فإن اختار التكفير بالهدي فعليه الذبح في الحرم ، والتصدق بلحمه على الفقراء لقوله تعالى { هديا بالغ الكعبة } فالهدي اسم لما يهدى إلى موضع معين ، وإن اختار الإطعام اشترى بالقيمة طعاما فيطعم المساكين كل مسكين نصف صاع من حنطة ، وإن اختار الصيام يصوم مكان طعام كل مسكين يوما ، وإن كان الواجب دون طعام مسكين فإما أن يطعم قدر الواجب ، وإما أن يصوم يوما كاملا فالصوم لا يكون أقل من يوم ، وعندنا يجوز له أن يختار الصوم مع القدرة على الهدي والإطعام لقوله تعالى { أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره } وحرف " أو " للتخيير ، وعلى قول رحمه الله تعالى لا يجوز له زفر وقاس بكفارة اليمين وهدي المتعة والقران ، وقال حرف " أو " لا ينفي الترتيب في الواجب كما في حق قطاع الطريق في قوله تعالى { الصيام مع القدرة على التكفير بالمال أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف } الآية ، ولكن هذا خلاف الحقيقة ، والتمسك بالحقيقة واجب حتى يقوم دليل المجاز ، وقياس المنصوص على المنصوص باطل ، وإذا اختار الطعام فالمعتبر قيمة الصيد يشترى به الطعام عندنا ، وعند رحمه الله تعالى المعتبر قيمة النظير ، وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى بناء على أصلهما أن الواجب هو النظير فإنما يحوله إلى الطعام باختياره [ ص: 85 ] فتعتبر قيمة الواجب ، وهو النظير كمن أتلف شيئا من ذوات الأمثال فانقطع المثل من أيدي الناس فإنه يجب قيمة المثل ، وعندنا الواجب قيمة الصيد ، والأصل كما بينا فإذا اختار أداء الواجب بالطعام تعتبر قيمة الصيد لأنه هو الواجب الأصلي ، وإن اختار الصيام صام مكان كل نصف صاع يوما عندنا ، وعند محمد رحمه الله تعالى يصوم مكان كل مد يوما ، وهذا بناء على الاختلاف في طعام الكفارة لكل مسكين عندنا يتقدر بنصف صاع ، وعنده بمد ، ومذهبه في هذا مروي عن الشافعي رضي الله عنه . ابن عباس
( قال ) فإن فعليه جزاء استحسانا ، وإن أرسله في الحل ما لم يعلم عوده إلى الحرم لأنه بالحرم كان آمنا ، وقد زال هذا الأمن بإخراجه فيكون كالمتلف له إلا أن يعلم عوده إلى الحرم فحينئذ يعود إليه الأمن على ما كان ، وهو كالمحرم يأخذ صيدا فيموت في يديه لزمه جزاؤه لأنه متلف معنى الصيدية فإن معنى الصيدية في نفره ، وبعده عن الأيدي . أخرج الحلال صيد الحرم ، ولم يقتله