ص ( وللعمرة أبدا إلا المحرم بحج فلتحليله وكره بعدهما وقبل غروب الرابع )
ش تقدم أن للإحرام ميقاتين ، زماني ومكاني وأن المصنف بدأ بالكلام على الزماني فلما فرغ من ذكر ميقات الحج الزماني ذكر ميقات العمرة ; ويعني أن جميع السنة إلا لمن أحرم بالحج فلا ينعقد إحرامه للعمرة إلى تحليله ، وهي رمي جمرة وقت الإحرام بالعمرة العقبة وطواف الإفاضة والسعي بعده لمن لم يسع ويكره منى ، فإن أحرم بها حينئذ انعقد إحرامه مع الكراهة هذا معنى قول الإحرام بالعمرة بعد التحللين وقبل غروب الشمس من اليوم الرابع من أيام المصنف ، وعليه شرحه الشارحان وقبلاه ، وكلام البساطي يقتضي أن قول المصنف : فلتحلليه ثبت في نسخته بالإفراد ولما كان التحلل لا يحصل إلا بشيئين ثنى الضمير في قوله : وكره بعدهما واعلم أن ميقات الإحرام بالعمرة جميع أيام السنة لمن لم يحرم بحج حتى يوم عرفة وأيام التشريق ، وقال في المدونة : وتجوز العمرة في أيام السنة كلها إلا للحاج فيكره لهم أن يعتمروا حتى تغيب الشمس من آخر أيام الرمي ، وكذلك من تعجل في يومين أو لم يتعجلوا وقفلوا إلى مكة بعد الزوال من آخر أيام الرمي فلا يحرموا بالعمرة من التنعيم حتى تغيب الشمس قال ابن القاسم ومن أحرم منهم في أيام الرمي لم يلزمه إلا أن يحرم بعد أن تم رميه من آخر أيام الرمي وحل من إفاضته فيلزمه ، قال : ومن لم يكن حاجا من أهل الآفاق فجائز أن يعتمر في أيام التشريق ; لأن إحلاله بعد أيام مالك منى قال ابن القاسم : سواء كان إحلاله منها في أيام منى أو بعدها بخلاف الحاج انتهى .
وقال في البيان في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الحج وسئل عن رجل يعتمر من أفق من الآفاق في أيام التشريق قال : لا بأس بذلك ; لأن هؤلاء لا يحلون بعد ذلك فلا أرى هؤلاء مثل من يعتمر في آخر أيام التشريق من الحاج قبل الغروب فهذا لا يعجبني قالابن رشد : جائز ، والأصل فيه أمر لمن لم يحج أن يعتمر في أيام التشريق رضي الله عنه عمر أبا أيوب الأنصاري وهبار بن الأسود لما قدما عليه يوم النحر ، وقد فاتهما الحج لإضلال راحلته وبخطأ الثاني في العدة أن يتحللا من إحرامهما بالحج ويقضياه قابلا ويهديا كما وقع في الموطأ فلمن لم يحج أن يهل بعمرة في أيام التشريق سواء حل منها في أيام التشريق أو بعدها قاله ابن القاسم في المدونة فقوله هنا ، وفي المدونة أيضا : إن هؤلاء يحلون بعد ذلك يريد بعد أيام التشريق ليس بتعليل صحيح انتهى .
وقال سند : من لم يكن من أهل الحج فلا حجة عليه يعتمر متى شاء ، وهذا قول الشافعي ، وقال وابن حنبل : تكره أبو حنيفة عرفة وأيام منى ووافقه العمرة في يوم على غير يوم أبو يوسف عرفة ، وروى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت [ ص: 23 ] السنة كلها للعمرة إلا خمسة أيام يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق ، ودليلنا أنه وقت يصح فيه الطواف والسعي فلا تكره فيه العمرة كسائر السنة ويوم عرفة يصح فيه القران فلا يكره فيه إفراد العمرة كما لا يكره إفراد الحج ولأن من فاته الحج يفعل أفعال العمرة في أيام منى ، وقد قال : ينقلب إحرامه عمرة ، فإذا كان الوقت صالحا لأفعال العمرة والذمة خالية مما ينافي العمرة لم يبق للكراهة وجه ، وما رواه لا يثبت عند أهل الحديث ، وإن صح فمحمول على من أحرم بالحج انتهى . أبو يوسف
وقال اللخمي في تبصرته : والوقت الذي يؤتى بها فيه على وجهين فمن لم يتقدم له حج ، ولا يريده في ذلك العام فيعتمر من السنة في أي وقت أحب ، وفي أشهر الحج ويوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق ويكون الناس في الوقوف بعرفة ، وهو يعمل عمل العمرة ، أما من حج فلا يعتمر حتى تغيب الشمس من آخر أيام التشريق قال ، وإن تعجل فلا يحرم بعمرة ، فإن فعل لم ينعقد قال ابن القاسم إلا أن يحرم في أيام التشريق بعد الرمي فيلزمه قال محمد : يلزمه الإحرام ، ولا يحل حتى تغرب الشمس ، وإحلاله قبل ذلك باطل ، وإن وطئ قبل ذلك أفسد عمرته وقضاها وأهدى ، والقياس إذا أكمل الإحرام للحجة أن ينعقد الإحرام لعمرة ، ويصح عملها انتهى .
وقال ابن عبد السلام في شرح : يعني أن العمرة لا تختص بزمن معين كالحج فقد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشهر الحج وأمر ابن الحاجب عبد الرحمن بن الصديق أن يعمر في ذي الحجة { عائشة } أو قال : { ، وقال : عمرة في رمضان تعدل حجة } إلا أن الفقهاء يقولون : العمرة لا ترتدف على الحج فلذلك يشترطون أن لا يكون في أيام حجة معي منى لمن حج ، أما من لم يحج فيجوز أن يأتي بها في سائر السنة ، ولو في يوم عرفة أو يوم النحر انتهى .
وإذا علم ذلك فما نقله ابن الحاج وابن فرحون عن القاضي أبي محمد مخالف لإطلاق ما تقدم من النصوص وصريحها ونص ابن الحاج ، أما غير ابن الحاج فلا تكره له منى وأن يحل منها قبل انقضائها من أي بلد كان ، وأصل ذلك : حديث العمرة أيام هبار : وهل لهم أن يعتمروا يوم النحر فحكى القاضي أبو محمد عن المذهب أنهم ليس لهم ذلك ; لأن يوم النحر يوم الحج الأكبر ، ويحتمل أن يكون حكم يوم النحر في ذلك حكم أيام التشريق انتهى .
ونص ابن فرحون في مناسكه مثله ، إلا أنه قال : فحكى القاضي أبو محمد على قواعد المذهب فلعل لفظ قواعد سقط من كلام ابن الحاج ، والله أعلم .
، وقد تقدم نقل سند عن كراهتها في يوم النحر ويوم أبي حنيفة عرفة وأيام التشريق ، وأن وافقه على ما عدا يوم أبا يوسف عرفة فلو كان المذهب يوافقه في يوم النحر لبينه ، ولا أدري ما مرادهما بالقاضي أبي محمد والظاهر : أنه ليس هو القاضي عبد الوهاب ، والله أعلم .
هذا حكم المسألة الأولى في كلام المصنف ، وهو بيان ميقات الإحرام بالعمرة لمن لم يحج