قوله وإلا أعاد الظهرين للاصفرار خلاف شرط عدمي مركب من إن الشرطية ، ولا النافية وفعل الشرط محذوف والظاهر أن هذا الكلام مخرج من محذوف تقديره على ما قلنا في بيان القولين في إزالة النجاسة فيقال تقديره فيعيد من صلى بالنجاسة في ثوبه ، أو بدنه ، أو مكانه ذاكرا قادرا أبدا وإلا أعاد الظهرين أي ، وإن صلى بالنجاسة ولم يكن ذاكرا لها عند الصلاة إما بأن لم يعلم بها أصلا ، أو علم بها ونسيها ، أو صلى بها عاجزا عن إزالتها فإنه يعيد الصلاة في الوقت الضروري وهو في الظهرين إلى الاصفرار والمراد بالظهرين الظهر والعصر فهو من باب التغليب وهو واقع في كلام العرب فيغلبون الأخف كالعمرين في أبي بكر ، والمذكر كالقمرين في الشمس والقمر ، والأسبق كالظهرين في الظهر والعصر وما ذكره وعمر المصنف هنا .
وفي ستر العورة من إعادة الظهرين للاصفرار قاله في كتاب الطهارة من المدونة وهو المشهور ، وقيل : يعيدهما إلى المغرب . وروي عن ، وقيل : يعيد العاجز للغروب والناسي للاصفرار وهذا القول اختاره مالك ابن يونس وجعله أبو الحسن مذهب المدونة لما ذكر المعيدين لصلاتهم . وتبعه على ذلك ابن غازي في الأبيات التي نظمها في ذلك . قال في التوضيح [ ص: 139 ] وعلى المشهور فيعيد المغرب الليل كله نص على ذلك في المدونة .
( قلت : ) هكذا ذكر ابن يونس عن المدونة ولم أقف عليه في الأم في كتاب الطهارة عند الكلام على هذه المسألة ولم يذكره البراذعي في اختصاره ، وكذلك قال الشيخ أبو الحسن في شرحه يعني وفي المغرب والعشاء الليل كله واختار اللخمي أن الصلاة إنما تعاد في وقتها المختار ، فقال : فيعيد الظهر إلى مقدار أربع ركعات من القامة الثانية والعصر إلى الاصفرار والمغرب إلى مغيب الشفق والعشاء إلى نصف الليل وخرج الباجي على القول بإعادة الظهرين إلى الاصفرار أن المغرب والعشاء تعادان إلى ثلث الليل ، أو نصفه فإنه جعل الإعادة على هذا القول إلى آخر الوقت المختار للصلاة الثانية قال : وأما الصبح فإن قلنا ليس لها وقت ضرورة فإلى طلوع الشمس ، وإن قلنا لها وقت ضرورة فإلى آخر وقت الاختيار وهو الإسفار والمنصوص عن من رواية مالك ابن القاسم ، وفي الصبح روايتان فروي عنه إلى الإسفار . وروي إلى طلوع الشمس . وقال إعادة الظهرين للاصفرار والعشاءين لطلوع الفجر ابن بشير الصحيح أن المغرب والعشاء تعادان ما لم يطلع الفجر ، والفجر ما لم تطلع الشمس وخص المصنف الظهرين بالذكر تبعا للمدونة ولأن القياس يقتضي أن تعاد إلى الغروب كما أن العشاءين تعادان إلى الفجر وفرق ابن يونس - رحمه الله تعالى - بينهما بأن الإعادة في الوقت إنما هي على طريق الاستحباب فأشبهت التنفل فكما لا يتنفل إذا اصفرت الشمس فكذلك لا يعيد فيه إلا ما وجبت إعادته في الوقت وكما جاز التنفل الليل كله جازت الإعادة فيه انتهى .
واعترض ذلك بأن الإعادة إنما هي بنية الفرض لا النفل وبأن كراهة النافلة ليست خاصة بما بعد الاصفرار بل تكره النافلة من بعد صلاة العصر وبأنه يلزم أن لا تعاد الصبح بعد الإسفار وجزم بهذا القول أعني عدم إعادة الصبح بعد الإسفار ابن الكروف ولم أره لغيره وتقدم أن الصحيح أنها تعاد إلى طلوع الشمس وبأنهم قالوا فيمن وفيمن قدم الحاضرة على الفوائت اليسيرة : إنه يعيد الظهر والعصر للغروب . ترك الترتيب بين الحاضرتين نسيانا
( قلت : ) ويمكن أن يجاب عن هذه الإيرادات بأن يقال : لا شك أن كراهة النافلة بعد الإسفار أشد منها قبله بدليل جواز الصلاة على الجنازة وسجود التلاوة قبله وكراهتهما بعده ، والإعادة في الوقت فإن كانت بنية الفرض إلا أنها لما كانت على جهة الاستحباب على المشهور أشبهت النافلة فمنعت في الوقت الذي فيه الكراهة أشد .
ويفرق بين الظهرين والصبح على القول الذي صححه ابن بشير بأن جميع وقت الصبح قد قيل فيه : إنه وقت مختار للصبح وإنه لا ضرورة لها وهو قول قوي في المذهب ويفرق بين مسألة الصلاة بالنجاسة وبين مسألة من ترك الترتيب أن الترتيب آكد من إزالة النجاسة بدليل أنه يقدم الفائتة ، ولو أدى لخروج وقت الحاضرة ويصير قضاء بخلاف النجاسة فإنه إذا ضاق الوقت عن غسلها صلى بها ولأن اليسير من بعض النجاسات معفو عنه ولأن ابن رشد جعل المشهور من المذهب أن إزالتها سنة وحكى فيها قولا بالاستحباب وإنما فرق في القول الثالث بين المضطر والناسي ; لأنه رأى أن تركها مع النسيان أخف بدليل أن من نسي عضوا من أعضاء الوضوء يبني ، ولو طال ، ومن عجز ماؤه يبني ما لم يطل .