ص ( ويطهر محل النجس بلا نية بغسله )
ش : لما قدم حكم إزالة النجاسة وما يعفى عنه وما لا يعفى عنه تكلم الآن في كيفية إزالة ما لا يعفى عنه ، وبماذا تكون ؟ ومعنى كلامه أن محل النجاسة سواء كان بدنا ، أو ثوبا ، أو أرضا ، أو غير ذلك إذا أريد تطهيره إنما يطهر بغسله ، ولا يطهر بغير الغسل ، وما تقدم في الخف والنعل والرحل من أرواث الدواب وأبوالها والسيف الصقيل من الدم وموضع الحجامة ، وكذلك الاستجمار في المخرجين والثوب الصقيل على مقابل المشهور فإنما ذلك في العفو عن محله وإلا فالمحل محكوم عليه بالنجاسة بعدها ، ولا يطهر إلا بغسله ، والغسل في كل نجاسة بحسبها ، قال ابن العربي في العارضة : [ ص: 159 ] النجاسة إما حكمية ، أو عينية فالحكمية يكفي فيها ورود الماء على المحل والعينية لا بد من إزالة عينها ، وقال في موضع آخر : النجاسة على قسمين نجاسة كلون الماء وهي البول والمذي ونحوهما فيجب أن يكاثر بالماء خاصة إذ ليس لها عين تزال فكفى من ماء على ما ورد في الحديث أكثر من نقطة من مذي ، ونجاسة تخالف لون الماء فيلزم صب الماء حتى تذهب عينها ، وقال في حديث بول الغلام ، وقوله فنضحه ولم يغسله أي صب عليه الماء بدليل قوله فأتبعه الماء وإنما سقط العرك ; لأنه لا يحتاج إليه فإن الرجل الكبير لو بال على ثوبه وأتبعه ماء لكان ذلك تطهيرا للمحل كاملا ، وقال في حديث بول الأعرابي في المسجد إذا استقرت النجاسة على الأرض صب عليها من الماء ما يغمرها ، ويستهلك البول فيها بذهاب رائحته ولونه وتطهر الأرض النجسة بذلك قال الهروي لا تطهر إلا بأن تحفر ويجعل على ظاهرها تراب طاهر وليس الذنوب تقديرا وإنما هو بحسب غلبة الماء وغيره للنجاسة واستهلاكها فيه وإذا بال رجلان في موضع كفى ذنوب واحد ، وقال الإصطخري لكل رجل ذنوب وهو باطل ، ولو أهريق على الموضع ماء ، أو جاء عليه مطر طهر ; لأن إزالة النجاسة لا تفتقر لنية انتهى .
وقال ابن فرحون نص القاضي أبو بكر على أن الأرض يكفي في تطهيرها صب الماء عليها فقط ، والبول وغيره إذا صب عليه الماء متتابعا حتى يتحقق زوال النجاسة إنه يطهر ، ولا يحتاج إلى عرك ، ولا عصر ، وقال في الزاهي : وطهور الأرض من البول صب دلو من ماء عليها ، ومن أصابه نجس وهطل عليه المطر فاغتسل به طهره ذلك ، ولو كان جنبا انتهى . ابن شعبان
وقال الأبي عن المازري في شرح حديث الأعرابي في شرح قوله فدعا بذنوب من ماء فصب عليه : فيه أن النجاسة المائعة دون لزوجة يكفي في تطهيرها صب الماء وإتباعه دون دلك ، وكما لا يشترط فيه الدلك لا يشترط فيما يغسل به من الماء قدر معين بل ما يغمر النجاسة ويغلب عليها ; لأن المقصود ذهاب عين النجاسة وإذا زالت بصب الماء دون غيره لم تفتقر إلى الدلك وهذا فيما لا يظهر له عين بعد صب الماء كالبول ، وحده بعضهم بأن يكون الماء سبعة أمثال البول فلا يشترط في الماء أن يقطر بعد صبه عليها إلى الأرض بل إذا صب الماء وغمر النجاسة استهلكت وذهب حكمها فإن اندفعت الغسالة إلى موضع آخر من أرض ، أو بدن ، أو ثوب ، أو خرجت من الحصير إلى الأرض التي تحتها فيشترط في طهارة ما اندفعت إليه أن تكون الغسالة المندفعة غير متغيرة ; لأن المتغيرة نجسة فإن اندفعت متغيرة صب عليها حتى تندفع غير متغيرة انتهى .
وقال سند - رحمه الله تعالى - في كتاب الحج في غسل ثوب المحرم : فإن كانت النجاسة لا تفتقر إلى حت وعرك كالبول والماء النجس فإنه يواصل صب الماء ويتواصل ويتلطف في غسل ذلك انتهى .
وذكر ابن فرحون عن الشيخ تقي الدين عن بعض المتأخرين أن النجاسة العينية لا يكفي إجراء الماء عليها ، ولا بد من محاولة إزالة أوصافها الثلاثة الطعم واللون والريح ، أو ما وجد منها انتهى .
فعلم منه أن الحكمية هي التي لا طعم لها ، ولا لون ، ولا ريح كالبول إذا جف وطال أمره ، والعينية نقيض الحكمية وبهذا فسرهما الشافعية .
( والحاصل ) مما تقدم أن المقصود إزالة النجاسة فالتي يمكن زوالها بالماء كالبول والماء المتنجس أو بمكاثرة صب الماء كالمذي والودي لا يحتاج إلى عرك ودلك وما لا يزال إلا بالعرك والدلك فلا بد له من ذلك وهذا معنى قوله في الجواهر ، ولا يكفي مرور الماء على المحل بل لا بد من إزالتها عنه بإذهاب العين والأثر انتهى . لأن معناه أن مرور الماء لا يكفي في كل نجاسة بل المقصود إزالة عينها وأثرها فيعتبر في كل نجاسة ما يزيل ذلك وسيأتي في الكلام على النية في النضح عن ابن عرفة والله تعالى أعلم . أن حكم إزالة النجاسة ورود الماء عليها ،
وقوله بلا نية يعني به أن هذا هو المعروف [ ص: 160 ] وحكى إزالة النجاسة لا يشترط فيها النية القرافي قولا بأنها تفتقر للنية وهو ضعيف بل حكى ابن بشير وابن عبد السلام الاتفاق على عدم افتقارها للنية وحكى ابن القصار من الشافعية الإجماع على ذلك واستشكل وابن الصلاح ابن عبد السلام قولهم لا تفتقر لنية مع قولهم لا تزال إلا بالماء المطلق فإن الأول يدل على أنها معقولة المعنى والثاني على أنها تعبد فهو تناقض .
قال ابن ناجي - رحمه الله تعالى - : وما ذكره صحيح وأوردته في كثير من دروس أشياخي فلم يقع منهم جواب إلا ما لا يصلح .
( قلت : ) مما أجاب به بعضهم أنها من باب التروك وليس في الترك نية فتأمله ، ويأتي في الكلام على النية في النضح عن ابن عبد السلام أن التعبد فيما تقع به الإزالة لا يكون موجبا للنية والله - تعالى - أعلم بالصواب .
( فائدة ) الأعرابي الذي بال في المسجد اسمه ذو الخويصرة التميمي ، والذنوب بفتح الذال المعجمة الدلو العظيم ، وقيل : لا يسمى ذنوبا إلا إذا كان فيه ماء قاله في النهاية ويطلق الذنوب على النصيب كما في قوله تعالى { فإن للذين ظلموا ذنوبا } أي نصيبا من العذاب وقيل إنه مستعار من الذنوب الذي هو الدلو فإنهم كانوا يستقون ويجعلون لكل جماعة ذنوبا والله - تعالى - أعلم . وقال سند السجل دلو أصغر من الذنوب والذنوب الدلو الكبير وهي دون الغرب وفوق السجل .