فيما باطن الأمر فيه ، بخلاف ظاهره تنفيذا كان أو غيره ( ينفذ ظاهرا لا باطنا ) ( والقضاء ) أي : الحكم الذي يستفيده القاضي بالولاية لا يفيد الحل باطنا لمال ، ولا لبضع لخبر الصحيحين { فالحكم بشهادة كاذبين ظاهرهما العدالة } وخبر { لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع منه فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار أمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر } جزم الحافظ العراقي بأنه لا أصل له ، وكذا أنكره المزي وغيره ولعله من [ ص: 146 ] حيث نسبة هذا اللفظ بخصوصه إليه صلى الله عليه وسلم ، أما معناه فهو صحيح منسوب إليه صلى الله عليه وسلم أخذا من قول المصنف في شرح في خبر { مسلم } معناه إني أمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر كما قال صلى الله عليه وسلم . ا هـ . وعبارة الأم عقب حديث الصحيحين المذكور فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أنه إنما يقضي بالظاهر وأن أمر السرائر إلى الله بل نقل إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ، ولا أشق بطونهم الإجماع على معناه وعبارته أجمعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر وأن أمر السرائر إلى الله انتهت . وبهذا كله يتبين رد إطلاق أولئك الحفاظ أنه لا أصل له . ويلزم المحكوم عليها بنكاح كاذب الهرب بل ، والقتل إن قدرت عليه كالصائل على البضع ، ولا نظر لكونه يعتقد الإباحة كما يجب دفع الصبي عنه ، وإن كان غير مكلف ، فإن أكرهت فلا إثم . ابن عبد البر
ولا يخالف هذا قولهم : الإكراه لا يبيح الزنا لشبهة سبق الحكم على أن بعضهم قيد عدم الإثم بما إذا ربطت حتى لم يبق لها حركة ، لكن فيه نظر ؛ إذ لو كان هذا مرادا لم يفرقوا بين ما هنا ، والإكراه على الزنا ؛ لأن محل حرمته حيث لم تربط كذلك ، فإن وطئت فزنا عند ووطء شبهة عند غيره ، وهو الأصح ؛ لأن الشيخ أبي حامد رضي الله عنه يجعلها منكوحة بالحكم ، ورجح أبا حنيفة الزركشي كالأذرعي الأول قالا : والشبهة إنما تراعى حيث قوي مدركها لا كهذه ، أما ما باطن الأمر فيه كظاهره ، فإن لم يكن في محل اختلاف المجتهدين كالتسليط على الأخذ بالشفعة الذي لم يترتب على أصل كاذب نفذ باطنا أيضا ، وكذا إن اختلف فيه كشفعة الجوار فينفذ باطنا أيضا على المعتمد ، ومن ثم حل للشافعي طلبها من الحنفي ، وإن لم يقلد ؛ لأن من عقيدة الشافعي أن النفوذ باطنا يستلزم الحل فلم يأخذ محرما في اعتقاده ، ومن ثم لم يجز للحنفي منعه من طلبها وجاز للشافعي الشهادة بها ، لكن لا بصيغة أشهد أنه يستحقها ؛ لأنه كذب كما أن له حضور نكاح بلا ولي إن قلد أو أراد حفظ الواقعة ، نعم ليس له دعوى ، ولا شهادة على مرتد عند من لا يرى قبول توبته كما نص عليه ؛ لأن أمر الدماء أغلظ . أبا حنيفة
وجاز أيضا لحاكم شافعي أنهي إليه ما لا يراه من أحكام مخالفيه تنفيذها وإلزام العمل بها فلو فسخ نكاح امرأة أو خولعت مرارا وحكم حنبلي بصحة أحدهما ، ثم رفعت أمرها للشافعي ليزوجها في الأولى من آخر و في الثانية من زوجها من غير محلل [ ص: 147 ] جاز ذلك خلافا لابن العماد في الثانية ؛ لما مر من أنه يرى نفوذ حكم المخالف باطنا . و كحكم المخالف فيما ذكر إثباته إن كان معتقده أنه حكم كما هو ظاهر مما تقرر أن العبرة بعقيدته لا بعقيدة من أنهي إليه حكم ويظهر أنه لا أثر لكون المخالف يعتقد أن الحكم إنما ينفد ظاهرا فقط بل العبرة في هذا باعتقاد المنهي إليه كالشافعي . ويفرق بأن هذا هو المبيح للإقدام على العمل بقضية حكم المخالف فنظر لاعتقاد الثاني في هذا بخصوصه دون ما عداه .