وقوله تعالى : ولله ما في السماوات وما في الأرض أي له ذلك على الوجه الأتم أي خلقا وملكا لا لغيره عز وجل أصلا لا استقلالا ولا اشتراكا ، ويشعر بفعل يتعلق به [ ص: 61 ]
قوله تعالى : ليجزي الذين أساءوا بما عملوا أي خلق ما فيهما ليجزي الضالين بعقاب ما عملوا من الضلال الذي عبر عنه بالإساءة بيانا لحاله أو بمثل ما عملوا ، أو بسبب ما عملوا على أن الباء صلة الجزاء بتقدير مضاف أو للسببية بلا تقدير ويجزي الذين أحسنوا أي اهتدوا بالحسنى أي بالمثوبة الحسنى التي هي الجنة ، أو بأحسن من أعمالهم أو بسبب الأعمال الحسنى تكميل لما قبل لأنه سبحانه لما أمره عليه الصلاة والسلام بالإعراض نفى توهم أن ذلك لأنهم يتركون سدى ، وفي العدول عن ضمير ربك إلى الاسم الجامع ما ينبئ عن زيادة القدرة وأن الكلام مسوق لوعيد المعرضين وأن تسوية هذا الملك العظيم لهذه الحكمة فلا بد من ضال ومهتد ، ومن أن يلقى كل ما يستحقه ، وفيه أنه صلى الله تعالى عليه وسلم يلقى الحسنى جزاء لتبليغه وهم يلقون السوء أي جزاء لتكذيبهم ، وكرر فعل الجزاء لإبراز كمال الاعتناء به والتنبيه على تباين الجزاءين .
وجوزأن يكون معنى فأعرض إلخ لا تقابلهم بصنيعهم وكلهم إلى ربك إنه أعلم بك وبهم فيجزي كلا ما يستحقه ، ولا يخفى ما في العدول عن الضميرين في «بمن ضل » «وبمن اهتدى » وجعل قوله تعالى : ( ليجزي ) على هذا متعلقا بما يدل عليه قوله تعالى : ( إن ربك هو أعلم ) إلخ أي ميز الضال عن المهتدي وحفظ أحوالهم ( ليجزي ) إلخ ، وقوله سبحانه : ( ولله ما في السماوات ) جملة معترضة تؤكد حدث أنهم يجزون البتة ولا يهملون كأنه قيل : هو سبحانه أعلم بهم وهم تحت ملكه وقدرته ، وجوز على ذلك المعنى أن يتعلق ( ليجزي ) بقوله تعالى : ( ولله ما في السماوات ) كما تقدم على تأكيد أمر الوعيد ، أي - هو أعلم بهم - وإنما سوى هذا الملك للجزاء ، ورجح بعضهم ذلك المعنى بالوجهين المذكورين على ما مر ، وجوز في جملة ( لله ما في السماوات ) كونها حالا من فاعل أعلم سواء كان بمعنى عالم أو لا ، وفي ليجزي تعلقه - بضل . واهتدى - على أن اللام للعاقبة أي هو تعالى أعلم بمن ضل ليؤول أمره إلى أن يجزيه الله تعالى بعمله ، بمن اهتدى ليؤول أمره إلى أن يجزيه بالحسنى ، ولا يخفى بعده ، وأبعد منه بمراحل تعلقه بقوله سبحانه : لا تغني شفاعتهم كما ذكره مكي ، وقرأ - لنجزي - ونجزي بالنون فيهما
زيد بن علي