فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون
فإن قلت : بم اتصل قوله : فإذا ركبوا ؟ قلت : بمحذوف دل عليه ما وصفهم به وشرح من أمرهم ، معناه : هم على ما وصفوا به من الشرك والعناد فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين كائنين في صورة من يخلص الدين لله من المؤمنين ، حيث لا يذكرون إلا الله ولا يدعون معه إلها آخر . وفي تسميتهم مخلصين : ضرب من التهكم فلما نجاهم إلى البر وآمنوا عادوا إلى حال الشرك : واللام في "ليكفروا" محتملة أن تكون لام كي ، وكذلك في "وليتمتعوا" فيمن قرأها بالكسر . والمعنى : أنهم يعودون إلى شركهم ليكونوا -بالعود إلى شركهم- كافرين بنعمة النجاة ، قاصدين التمتع بها والتلذذ لا غير ، على خلاف ما هو عادة المؤمنين المخلصين على الحقيقة : إذا أنجاهم الله أن يشكروا [ ص: 561 ] نعمة الله في إنجائهم ، ويجعلوا نعمة النجاة ذريعة إلى ازدياد الطاعة ، لا إلى التمتع والتلذذ ، وأن تكون لام الأمر وقراءة من قرأ وليتمتعوا بالسكون تشهد له . ونحوه قوله تعالى : اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير [فصلت : 41 ] . فإن قلت : كيف جاز أن يأمر الله تعالى بالكفر وبأن يعمل العصاة ما شاءوا ، وهو ناه عن ذلك ومتوعد عليه ؟ قلت : هو مجاز عن الخذلان والتخلية ، وأن ذلك الأمر متسخط إلى غاية . ومثاله أن ترى الرجل قد عزم على أمر ، وعندك أن ذلك الأمر خطأ ، وأنه يؤدي إلى ضرر عظيم ، فتبالغ في نصحه واستنزاله عن رأيه ، فإذا لم تر منه إلا الإباء والتصميم ، حردت عليه وقلت : أنت وشأنك وافعل ما شئت ، فلا تريد بهذا حقيقة الأمر . وكيف والآمر بالشيء مريد له ، وأنت شديد الكراهة متحسر ، ولكنك كأنك تقول له : فإذ قد أبيت قبول النصيحة ، فأنت أهل ليقال لك : افعل ما شئت وتبعث عليه ، ليتبين لك -إذا فعلت- صحة رأي الناصح وفساد رأيك .