النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا
النبي أولى بالمؤمنين في كل شيء من أمور الدين والدنيا من أنفسهم ولهذا أطلق ولم يقيد ، فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم ، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها ، وحقه آثر لديهم من حقوقها ، وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها ، وأن يبدلوها دونه ويجعلوها فداءه إذا أعضل خطب ، ووقاءه إذا لقحت حرب ، وأن لا يتبعوا ما تدعوهم إليه نفوسهم ولا ما تصرفهم عنه ، ويتبعوا كل ما دعاهم إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وصرفهم عنه ; لأن كل ما دعا إليه فهو إرشاد لهم إلى نيل النجاة والظفر بسعادة الدارين وما صرفهم عنه ، فأخذ بحجزهم لئلا يتهافتوا فيما يرمي بهم إلى الشقاوة وعذاب النار . أو هو أولى بهم ، على معنى أنه أرأف بهم وأعطف عليهم وأنفع لهم ، كقوله تعالى : بالمؤمنين رءوف رحيم وعن النبي صلى الله عليه وسلم : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فأيما مؤمن هلك وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ، وإن ترك دينا أو ضياعا فإلي " . وفى قراءة "ما من مؤمن إلا أنا أولى به في الدنيا والآخرة ، اقرءوا إن شئتم : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وهو أب لهم . وقال ابن مسعود : كل نبي فهو أبو أمته ، ولذلك صار المؤمنون إخوة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أبوهم في الدين مجاهد وأزواجه أمهاتهم تشبيه لهن بالأمهات في بعض الأحكام ، وهو وجوب تعظيمهن واحترامهن ، وتحريم نكاحهن . قال الله تعالى : ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا [الأحزاب : 53 ] وهن فيما وراء ذلك بمنزلة الأجنبيات ، ولذلك [ ص: 51 ] قالت -رضي الله عنها - : لسنا أمهات النساء ، تعني : أنهن إنما كن أمهات الرجال ، لكونهن محرمات عليهم كتحريم أمهاتهم . والدليل على ذلك : أن هذا التحريم لم يتعد إلى بناتهن ، وكذلك لم يثبت لهن سائر أحكام الأمهات . كان المسلمون في صدر الإسلام يتوارثون بالولاية في الدين وبالهجرة لا بالقرابة ، كما كانت تتألف قلوب قوم بإسهام لهم في الصدقات ، ثم نسخ ذلك لما دجا الإسلام وعز أهله ، وجعل التوارث بحق القرابة عائشة في كتاب الله في اللوح . أو فيما أوحى الله إلى نبيه وهو هذه الآية . أو في آية المواريث . أو فيما فرض الله كقوله : كتاب الله عليكم من المؤمنين والمهاجرين يجوز أن يكون بيانا لأولي الأرحام ، أي : الأقرباء من هؤلاء بعضهم أولى بأن يرث بعضا من الأجانب . ويجوز أن يكون لابتداء الغاية ، أي : أولو الأرحام بحق القرابة أولى بالميراث من المؤمنين بحق الولاية في الدين ، ومن المهاجرين بحق الهجرة . فإن قلت : مم استثنى أن تفعلوا ؟ قلت : من أعم العام في معنى النفع والإحسان ، كما تقول : القريب أولى من الأجنبي إلا في الوصية ، تريد : أنه أحق منه في كل نفع من ميراثه وهبة وهدية وصدقة وغير ذلك ، إلا في الوصية . والمراد بفعل المعروف : التوصية لأنه لا وصية لوارث وعدى تفعلوا بإلى ; لأنه في معنى : تسدوا وتزلوا والمراد بالأولياء : المؤمنون والمهاجرون للولاية في الدين "ذلك " إشارة إلى ما ذكر في الآيتين جميعا . وتفسير الكتاب : ما مر آنفا ، والجملة مستأنفة كالخاتمة لما ذكر من الأرحام .