آمنا به بمحمد صلى الله عليه وسلم لمرور ذكره في قوله : ما بصاحبكم من جنة : والتناوش والتناول : أخوان ، إلا أن التناوش تناول سهل لشيء قريب ، يقال ناشه ينوشه ، وتناوشه القوم . ويقال : تناوشوا في الحرب : ناش بعضهم بعضا . وهذا تمثيل لطلبهم ما لا يكون ، وهو أن ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت ، كما ينفع المؤمنين إيمانهم في الدنيا : مثلت حالهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة ، كما يتناوله الآخر من قيس ذراع تناولا سهلا لا تعب فيه . وقرئ : (التناوش ) همزت الواو المضمومة كما همزت في أجؤه وأدؤر وعن التناوش بالهمز التناول من بعد من قولهم : نأشت إذا أبطأت وتأخرت ، ومنه البيت [من الطويل ] : أبي عمرو
[ ص: 134 ]
تمنى نئيشا أن يكون أطاعني
أي : أخيرا ، "ويقذفون " معطوف على قد كفروا ، على حكاية الحال الماضية ، يعني : وكانوا يتكلمون "بالغيب " ويأتون به من مكان بعيد وهو قولهم في رسول الله -صلى الله عليه وسلم - شاعر ، ساحر ، كذاب ، وهذا تكلم بالغيب والأمر الخفى ; لأنهم لم يشاهدوا منه سحرا ولا شعرا ولا كذبا ، وقد أتوا بهذا الغيب من جهة بعيدة من حاله ; لأن أبعد شيء مما جاء به : الشعر والسحر ، وأبعد شيء من عادته التي عرفت بينهم وجربت الكذب والزور ، قرئ : (ويقذفون بالغيب ) ، على البناء للمفعول ، أي : يأتيهم به شياطينهم ويلقنوهم إياه ، وإن شئت فعلقه بقوله : وقالوا آمنا به على أنه مثلهم في طلبهم تحصيل ما عطلوه من الإيمان في الدنيا بقولهم آمنا في الآخرة ، وذلك مطلب مستبعد بمن يقذف شيئا من مكان بعيد لا مجال للظن في لحوقه ، حيث يريد أن يقع فيه لكونه غائبا عنه شاحطا ، والغيب : الشيء الغائب ، ويجوز أن يكون الضمير للعذاب الشديد في قوله : بين يدي عذاب شديد وكانوا يقولون : وما نحن بمعذبين ، إن كان الأمر كما تصفون من قيام الساعة والعقاب والثواب ، ونحن أكرم على الله من أن يعذبنا ، قائسين أمر الآخرة على أمر الدنيا ، فهذا كان قذفهم بالغيب ، وهو غيب ومقذوف به من جهة بعيدة ; لأن دار الجزاء لا تنقاس على دار التكليف ما يشتهون من نفع الإيمان يومئذ والنجاة به من النار والفوز [ ص: 135 ] بالجنة . أو من الرد إلى الدنيا ، كما حكى عنهم فارجعنا نعمل صالحا . "بأشياعهم " بأشباههم من كفرة الأمم ومن كان مذهبه مذهبهم "مريب " إما من أرابه ، إذا أوقعه في الريبة والتهمة . أو من أراب الرجل ، إذا صار ذا ريبة ودخل فيها ، وكلاهما مجاز ; إلا أن بينهما فريقا : وهو أن المريب من الأول منقول ممن يصح أن يكون مريبا من الأعيان إلى المعنى ، والمريب من الثاني منقول من صاحب الشك إلى الشك ، كما تقول : شعر شاعر .
عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ سورة سبأ لم يبق رسول ولا نبي إلا كان له يوم القيامة رفيقا ومصافحا " .