وقرئ : (أرسل الريح ) . فإن قلت : لم جاء "فتثير " على المضارعة دون ما قبله ، وما بعده ؟ قلت : ليحكى الحال التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب ، وتستحضر تلك الصور البديعة الدالة على القدرة الربانية ، وهكذا يفعلون بفعل فيه نوع تمييز وخصوصية ، بحال تستغرب ، أو تهم المخاطب ، أو غير ذلك ، كما قال تأبط شرا [من الوافر ] :
بأبي قد لقيت الغول تهوي بسهب كالصحيفة صحصحان
فأضربها بلا دهش فخرت
صريعا لليدين وللجران
[ ص: 143 ] لأنه قصد أن يصور لقومه الحالة التي تشجع فيها بزعمه على ضرب الغول ، وكأنه يبصرهم إياها ويطلعهم على كنهها ، مشاهدة للتعجيب من جرأته على كل هول ، وثباته عند كل شدة . وكذلك سوق السحاب إلى البلد الميت ، وإحياء الأرض بالمطر بعد موتها : لما كانا من الدلائل على القدرة الباهرة قيل : فسقنا ، وأحيينا ، معدولا بهما عن لفظ الغيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص وأدل عليه . والكاف في "كذلك " في محل الرفع ، أي : مثل إحياء الموات نشور الأموات وروي . وقيل : [ ص: 144 ] يحيي الله الخلق بماء يرسله من تحت العرش كمني الرجال ، تنبت منه أجساد الخلق . أنه قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - : كيف يحيي الله الموتى ؟ وما آية ذلك في خلقه ؟ فقال : "هل مررت بوادي أهلك محلا ثم مررت به يهز خضرا " قال : نعم . قال : "فكذلك يحيي الله الموتى وتلك آيته في خلقه "