وما منا أحد إلا له مقام معلوم فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه ، كقوله [من الوافر ] :
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا
[ ص: 235 ] [من الرجز ] :
بكفى كان من أرمى البشر
مقام معلوم : مقام في العبادة ، والانتهاء إلى أمر الله مقصور عليه لا يتجاوزه ، كما روي : فمنهم راكع لا يقيم صلبه ، وساجد لا يرفع رأسه لنحن الصافون نصف أقدامنا في الصلاة ، أو أجنحتنا في الهواء ، منتظرين ما نؤمر . وقيل : نصف أجنحتنا حول العرش داعين للمؤمنين . وقيل : إن المسلمين إنما اصطفوا في الصلاة منذ نزلت هذه الآية . وليس يصطف أحد من أهل الملل في صلاتهم غير المسلمين "المسبحون " المنزهون أو المصلون . والوجه أن يكون هذا وما قبله من قوله : سبحان الله عما يصفون [الصافات : 159 ] من كلام الملائكة حتى يتصل بذكرهم في قوله : ولقد علمت الجنة [الصافات : 158 ] كأنه قيل : ولقد علم الملائكة وشهدوا أن المشركين مفترون عليهم في مناسبة رب العزة ، وقالوا : سبحان الله ، فنزهوه عن ذلك ، واستثنوا عباد الله المخلصين وبرأهم منه ، وقالوا للكفرة : فإذا صح ذلك فإنكم وآلهتكم لا تقدرون أن تفتنوا على الله أحدا من خلقه وتضلوه ، إلا من كان مثلكم ممن علم الله -لكفرهم ، لا لتقديره وإرادته ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا - أنهم من أهل النار ، وكيف نكون مناسبين لرب العزة ويجمعنا وإياه جنسية واحدة ؟ وما نحن إلا عبيد أذلاء بين يديه ، لكل منا مقام من الطاعة لا يستطيع أن يزل عنه ظفرا ; خشوعا لعظمته وتواضعا لجلاله ، ونحن الصافون أقدامنا لعبادته وأجنحتنا ، مذعنين خاضعين مسبحين ممجدين ، وكما يجب على العباد لربهم . وقيل : هو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني : وما من المسلمين أحد إلا له مقام معلوم يوم القيامة على قدر عمله ، من قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا [الإسراء : 79 ] ثم ذكر أعمالهم وأنهم هم الذين يصطفون في الصلاة يسبحون الله وينزهونه مما يضيف إليه من لا يعرفه مما لا يجوز عليه .