إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم
قرئ: (فى مقام) بالفتح: وهو موضع القيام، والمراد المكان، وهو من الخاص الذي وقع مستعملا في معنى العموم. وبالضم: وهو موضع الإقامة. و "الأمين" من قولك: أمن الرجل أمانة فهو أمين. وهو ضد الخائن، فوصف به المكان استعارة; لأن المكان المخيف كأنما يخون صاحبه بما يلقى فيه من المكاره. قيل: السندس: ما رق من الديباج. والإستبرق: ما غلظ منه وهو تعريب استبر. فإن قلت: كيف ساغ أن يقع في القرآن العربي المبين لفظ أعجمي؟ قلت: إذا عرب خرج من أن يكون عجميا; لأن معنى التعريب أن يجعل عربيا بالتصرف فيه، وتغييره عن منهاجه، وإجرائه على أوجه الإعراب "كذلك" [ ص: 478 ] الكاف مرفوع على الأمر كذلك، أو منصوب على: مثل ذلك أثبناهم "وزوجناهم" وقرأ : (بحور عين) على الإضافة: والمعنى: بالحور من العين; لأن العين إما أن تكون حورا أو غير حور، فهؤلاء من الحور العين لا من شهلهن مثلا. وفى قراءة عكرمة عبد الله : (بعيس عين) والعيساء: البيضاء تعلوها حمرة وقرأ : (لا يذاقون فيها الموت) وقرأ عبيد بن عمير عبد الله : (لا يذوقون فيها طعم الموت)، فإن قلت: كيف استثنيت الموتة الأولى -المذوقة قبل دخول الجنة- من الموت المنفى ذوقه فيها؟ قلت: أريد أن يقال: لا يذوقون فيها الموت البتة، فوضع قوله: إلا الموتة الأولى موضع ذلك; لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل، فهو من باب التعليق بالمحال، كأنه قيل: إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها. وقرئ: (ووقاهم) بالتشديد فضلا من ربك عطاء من ربك وثوابا، يعني: كل ما أعطى المتقين من نعيم الجنة والنجاة من النار. وقرئ: (فضل) أي: ذلك فضل.