[ ص: 480 ] سورة الجاثية
مكية [إلا آية 14 فمدنية]
وآياتها 37 وقيل 36 آية [نزلت بعد الدخان]
بسم الله الرحمن الرحيم
حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون .
حم إن جعلتها اسما مبتدأ مخبرا عنه بـ " تنزيل الكتاب " لم يكن بد من حذف مضاف، تقديره: تنزيل حم تنزيل الكتاب. و " من الله " صلة للتنزيل، وإن جعلتها تعديدا للحروف كان " تنزيل الكتاب " مبتدأ، والظرف خبرا " إن السماوات والأرض " يجوز أن يكون على ظاهره، وأن يكون المعنى; إن في خلق السماوات لقوله: وفي خلقكم فإن قلت: علام عطف وما يبث أعلى الخلق المضاف؟ أم على الضمير المضاف إليه؟ قلت: بل على المضاف; لأن المضاف إليه ضمير متصل مجرور يقبح العطف عليه، استقبحوا أن يقال: مررت بك وزيد، وهذا أبوك وعمرو، وكذلك إن أكدوه كرهوا أن يقولوا: مررت بك أنت وزيد. قرئ: (آيات لقوم يوقنون) بالنصب والرفع، على قولك: إن زيدا في الدار وعمرا في السوق، أو عمرو في السوق. وأما قوله: آيات لقوم يعقلون فمن العطف على عاملين، سواء نصبت أو رفعت، فالعاملان إذا نصبت هما: إن، وفي، أقيمت الواو مقامهما، فعملت الجر في ( اختلاف الليل والنهار ) ، والنصب في "لآيات". وإذا رفعت فالعاملان: الابتداء وفى عملت الرفع في "لآيات"، والجر في "واختلاف" وقرأ : (وفى اختلاف الليل والنهار) فإن قلت: العطف على عاملين على مذهب ابن مسعود [ ص: 481 ] سديد لا مقال فيه. وقد أباه الأخفش ، فما وجه تخريج الآية عنده؟ قلت: فيه وجهان عنده. أحدهما: أن يكون على إضمار في. والذي حسنه تقدم ذكره في الآيتين قبلها. ويعضده قراءة سيبويه . والثاني: أن ينتصب آيات على الاختصاص بعد انقضاء المجرور معطوفا على ما قبله أو على التكرير، ورفعها بإضمار هي: وقرئ: (واختلاف الليل والنهار) بالرفع. وقرئ: (آية) وكذلك وما يبث من دابة آية. وقرئ: (وتصريف الريح) والمعنى: إن المنصفين من العباد إذا نظروا في السماوات والأرض النظر الصحيح، علموا أنها مصنوعة، وأنه لا بد لها من صانع، فآمنوا بالله وأقروا، فإذا نظروا في خلق أنفسهم وتنقلها من حال إلى حال وهيئة إلى هيئة، وفى خلق ما على ظهر الأرض من صنوف الحيوان: ازدادوا إيمانا، وأيقنوا وانتفى عنهم اللبس; فإذا نظروا في سائر الحوادث التي تتجدد في كل وقت كاختلاف الليل والنهار ونزول الأمطار وحياة الأرض بها بعد موتها. ابن مسعود وتصريف الرياح جنوبا وشمالا وقبولا ودبورا: عقلوا واستحكم علمهم وخلص يقينهم، وسمى المطر رزقا; لأنه سبب الرزق "تلك" إشارة إلى الآيات المتقدمة، أي: تلك الآيات آيات الله. و "نتلوها" في محل الحال، أي: متلوة عليك بالحق والعامل ما دل عليه تلك من معنى الإشارة. ونحوه: وهذا بعلي شيخا وقرئ: (يتلوها) بالياء بعد الله وآياته أي بعد آيات الله كقولهم: أعجبني زيد وكرمه، يريدون: أعجبني كرم زيد. ويجوز أن يراد: بعد حديث الله، وهو كتابه وقرآنه، كقوله تعالى: الله نزل أحسن الحديث [الزمر: 23]. وقرئ: (يؤمنون) بالتاء والياء.