يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون
وصف تبارك وتعالى الكفرة الذين لا يعلمون أمر الله وصدق وعده بأنهم إنما يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، واختلف الناس في معنى "ظاهرا"، فقالت فرقة: معناه: بينا، أي ما أدته إليهم حواسهم، فكأن علومهم إنما هي علوم البهائم. وقال ، ابن عباس ، والجمهور: معناه: ما فيه الظهور والعلو في الدنيا، من إتقان الصناعات والمباني ومظان كسب الأموال والفلاحات ونحوها، وقالت فرقة: معناه: ذاهبا زائلا، أي: يعلمون أمور الدنيا التي لا بقاء لها ولا عاقبة، ومثل هذه اللفظة قول والحسن الهذلي :
[ ص: 10 ]
وعيرها الواشون أني أحبها ... وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
وقال : إن قوله تعالى: سعيد بن جبير ظاهرا من الحياة الدنيا إشارة إلى ما يعلم من قبل الكهنة مما تسترقه الشياطين، وقال : كل ما يعلم بأوائل العقول فهو الظاهر، وما يعلم بدليل العقل فهو الباطن. الرماني
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفيه تقع الغفلة وتقصير الجهال.
ثم وصفهم تبارك وتعالى بالغفلة والإعراض عن أمر الآخرة، وكرر الضمير تأكيدا، وغفلة الكافر هي على الكمال، والمؤمن المنهمك في أمور الدنيا التي هي أكبر همه يأخذ من هذه الآية بحظ. نور الله قلوبنا وهدى.
ثم وقفهم - على جهة التوبيخ - على أنهم قد فكروا فلم تنفعهم الفكرة والنظر; إذ لم يكن على سداد. وقوله تعالى: "في أنفسهم" يحتمل معنيين: أحدهما أن تكون الفكرة في ذواتهم وحواسهم وخلقتهم ليستدلوا بذلك على الخالق المخترع، والثاني أن يكون قوله: "في أنفسهم" ظرفا للفكرة في خلق السماوات والأرض، ثم أخبر عقب هذا بأن الحق هو السبب في خلق السموات والأرض، فيكون قوله: "في أنفسهم" تأكيدا لقوله: "يتفكروا" كما تقول: انظر بعينك واسمع بأذنك، فقولك: "بعينك" و"بأذنك" تأكيد. وقوله: "إلا بالحق" أي بسبب المنافع التي هي حق واجب، يريد: من الدلالة عليه، والعبادة له دون فتور، والانتصاب للعبرة ومنافع الأرزاق وغير ذلك. "وأجل" عطف على "الحق"، أي: وبأجل مسمى وهو يوم القيامة، ففي الآية [ ص: 11 ] إشارة إلى البعث والنشور وفساد بنية من في هذا العالم، ثم أخبر عن كثير من الناس أنهم كفرة بذلك المعنى، فعبر عنه بلقاء الله لأن لقاء الله تبارك وتعالى; هو أعظم الأمور، وفيه النجاة أو الهلكة.