أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين
أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة كلام مبتدأ مسوق لإنكار عدم تفكرهم في شأنه صلى الله عليه وسلم ، وجهلهم بحقيقة حاله الموجبة للإيمان به ، وبما أنزل عليه من الآيات التي كذبوا بها ، والهمزة للإنكار والتعجيب والتوبيخ ، والواو للعطف على مقدر يستدعيه سباق النظم الكريم وسياقه .
و" ما " إما استفهامية إنكارية في محل الرفع بالابتداء والخبر بصاحبهم ، وإما نافية اسمها جنة وخبرها بصاحبهم ، والجنة من المصادر التي يراد بها الهيئة ، كالركبة والجلسة ، وتنكيرها للتقليل والتحقير .
والجملة معلقة لفعل التفكر لكونه من أفعال القلوب ، ومحلها على الوجهين النصب على نزع الجار ; أي : أكذبوا بها ولم يتفكروا في أي شيء من جنون ما كائن بصاحبهم الذي هو أعظم الأمة الهادية بالحق ، وعليه أنزلت الآيات ، أو في أنه ليس بصاحبهم شيء من جنة حتى يؤديهم التفكر في ذلك إلى الوقوف على صدقه وصحة نبوته ، فيؤمنوا به وبما أنزل عليه من الآيات .
وقيل : قد تم الكلام عند قوله تعالى : " أولم يتفكروا " ; أي : أكذبوا بها ولم يفعلوا التفكر ، ثم ابتدئ فقيل : أي شيء بصاحبهم من جنة ما ؟ على طريقة الإنكار والتعجيب والتبكيت ، أو قيل : ليس بصاحبهم شيء منها ، والتعبير عنه صلى الله عليه وسلم بصاحبهم ; للإيذان بأن طول مصاحبتهم له صلى الله عليه وسلم مما يطلعهم على نزاهته صلى الله عليه وسلم عن شائبة ما ذكر ; ففيه تأكيد للنكير وتشديد له ، والتعرض لنفي الجنون عنه صلى الله عليه وسلم مع وضوح استحالة ثبوته له صلى الله عليه وسلم ، لما أن التكلم بما هو خارق لقضية العقول والعادات ، لا يصدر إلا عمن به مس من الجنون كيفما اتفق ، من غير أن يكون له أصل ومعنى ، أو عمن له تأييد إلهي يخبر به عن الأمور الغيبية ، وإذ ليس به صلى الله عليه وسلم شائبة الأول ، تعين أنه صلى الله عليه وسلم مؤيد من عند الله تعالى .
وقيل : إنه صلى الله عليه وسلم علا الصفا ليلا ، فجعل يدعو قريشا فخذا فخذا يحذرهم بأس الله تعالى ، فقال قائلهم : إن صاحبكم هذا لمجنون بات يهوت إلى الصباح ; فنزلت ، فالتصريح بنفي الجنون حينئذ للرد على عظيمتهم الشنعاء ، والتعبير عنه صلى الله عليه وسلم بصاحبهم وارد على شاكلة كلامهم مع ما فيه من النكتة المذكورة .
وقوله تعالى : إن هو إلا نذير مبين جملة مقررة لمضمون ما قبلها ، ومبينة لحقيقة حاله صلى الله عليه وسلم على منهاج قوله تعالى : إن هذا إلا ملك كريم بعد قوله تعالى : ما هذا بشرا ; أي : ما هو إلا مبالغ في الإنذار ، مظهر له غاية الإظهار ، إبراز لكمال الرأفة ، [ ص: 299 ] ومبالغة في الإعذار .