يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون
(27) يرشد الباري عباده المؤمنين أن لا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم بغير استئذان، فإن في ذلك عدة مفاسد، منها: ما ذكره الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: فبسبب الإخلال به يقع البصر على العورات التي داخل البيوت، فإن "إنما جعل الاستئذان من أجل البصر" البيت للإنسان في ستر عورة ما وراءه بمنزلة الثوب في ستر عورة جسده.
ومنها: أن ذلك يوجب الريبة من الداخل، ويتهم بالشر سرقة أو غيرها؛ لأن الدخول خفية يدل على الشر، ومنع الله المؤمنين من دخول غير بيوتهم حتى تستأنسوا أي: تستأذنوا سمى الاستئذان استئناسا؛ لأن به يحصل الاستئناس، وبعدمه تحصل الوحشة، وتسلموا على أهلها وصفة ذلك ما جاء في الحديث: "السلام عليكم، أأدخل"؟ ذلكم أي: الاستئذان المذكور خير لكم لعلكم تذكرون لاشتماله على عدة مصالح، وهو من مكارم الأخلاق الواجبة، فإن أذن دخل المستأذن.
(28) فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا أي: فلا تمتنعوا من الرجوع، ولا تغضبوا منه، فإن صاحب المنزل لم يمنعكم حقا واجبا لكم، وإنما هو متبرع، فإن شاء أذن أو منع، فأنتم لا يأخذ أحدكم الكبر والاشمئزاز من هذه الحال، هو أزكى لكم أي: أشد لتطهيركم من السيئات، وتنميتكم بالحسنات، والله بما تعملون عليم فيجازي كل عامل بعمله من كثرة وقلة، وحسن وعدمه. [ ص: 1162 ] (29) هذا الحكم في البيوت المسكونة، سواء كان فيها متاع للإنسان أم لا وفي البيوت غير المسكونة التي لا متاع فيها للإنسان، وأما وذلك كبيوت الكراء وغيرها، فقد ذكرها بقوله: البيوت التي ليس فيها أهلها وفيها متاع الإنسان المحتاج للدخول إليه، وليس فيها أحد يتمكن من استئذانه، ليس عليكم جناح أي: حرج وإثم، دل على أن في البيوت السابقة أنه محرم، وفيه حرج الدخول من غير استئذان أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم وهذا من احترازات القرآن العجيبة، فإن قوله: لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم لفظ عام في كل بيت ليس ملكا للإنسان، أخرج منه تعالى البيوت التي ليست ملكه، وفيها متاعه، وليس فيها ساكن، فأسقط الحرج في الدخول إليها، والله يعلم ما تبدون وما تكتمون أحوالكم الظاهرة والخفية، وعلم مصالحكم؛ فلذلك شرع لكم ما تحتاجون إليه وتضطرون من الأحكام الشرعية.