وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون قال رب إني أخاف أن يكذبون ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين أن أرسل معنا بني إسرائيل قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين قال أولو جئتك بشيء مبين قال فأت به إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم فجمع السحرة لميقات يوم معلوم وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أإن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون فألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون فأرسل فرعون في المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل فأتبعوهم مشرقين فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وأزلفنا ثم الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم
[ ص: 1214 ] أعاد الباري تعالى قصة موسى وثناها في القرآن ما لم يثن غيرها؛ لكونها مشتملة على حكم عظيمة وعبر، وفيها نبأه مع الظالمين والمؤمنين، وهو صاحب الشريعة الكبرى، وصاحب التوراة أفضل الكتب بعد القرآن فقال: (10 -11) واذكر حالة موسى الفاضلة وقت نداء الله إياه، حين كلمه ونبأه وأرسله فقال: أن ائت القوم الظالمين الذين تكبروا في الأرض، وعلوا على أهلها وادعى كبيرهم الربوبية، قوم فرعون ألا يتقون أي: قل لهم بلين قول ولطف عبارة: "ألا تتقون" الله الذي خلقكم ورزقكم، فتتركون ما أنتم عليه من الكفر.
(12 - 14) فقال موسى عليه السلام معتذرا من ربه، ومبينا لعذره، وسائلا له المعونة على هذا الحمل الثقيل: قال رب إني أخاف أن يكذبون ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فقال: رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي ، فأرسل إلى هارون فأجاب الله طلبته ونبأ أخاه هارون كما نبأه فأرسله معي ردءا أي معاونا لي على أمري ولهم علي ذنب أي في قتل القبطي فأخاف أن يقتلون . [ ص: 1215 ] قال كلا أي لا يتمكنون من قتلك فإنا سنجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما، بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون، ولهذا لم يتمكن فرعون من قتل موسى مع منابذته له غاية المنابذة وتسفيه رأيه وتضليله وقومه فاذهبا بآياتنا الدالة على صدقكما وصحة ما جئتما به إنا معكم مستمعون أحفظكما وأكلؤكما، فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين أي أرسلنا إليك لتؤمن به وبنا وتنقاد لعبادته وتذعن لتوحيده، أن أرسل معنا بني إسرائيل فكف عنهم عذابك، وارفع عنهم يدك؛ ليعبدوا ربهم ويقيموا أمر دينهم.
(18 - 19) فلما جاءا فرعون وقالا له ما قال الله لهما لم يؤمن فرعون، ولم يلن وجعل يعارض موسى فـ قال ألم نربك فينا وليدا أي ألم ننعم عليك ونقم بتربيتك منذ كنت وليدا في مهدك ولم تزل كذلك، ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وهي قتل موسى للقبطي، حين استغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه الآية، وأنت من الكافرين أي: وأنت إذ ذاك طريقك طريقنا وسبيلك سبيلنا في الكفر، فأقر على نفسه بالكفر، من حيث لا يدري.
(20 -22) فقال موسى: فعلتها إذا وأنا من الضالين أي: عن غير كفر، وإنما كان عن ضلال وسفه، فاستغفرت ربي فغفر لي، ففررت منكم لما خفتكم حين تراجعتم بقتلي، فهربت إلى مدين، ومكثت سنين، ثم جئتكم، وقد وهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين .
فالحاصل أن اعتراض فرعون على موسى اعتراض جاهل أو متجاهل، فإنه جعل المانع من كونه رسولا أن جرى منه القتل، فبين له موسى أن قتله كان على وجه الضلال والخطأ، الذي لم يقصد نفس القتل، وأن فضل الله تعالى غير ممنوع منه أحد، فلم منعتم ما منحني الله من الحكم والرسالة؟ بقي عليك يا فرعون إدلاؤك بقولك: ألم نربك فينا وليدا وعند التحقيق يتبين أن لا منة لك فيها، ولهذا قال موسى: وتلك نعمة تمن بها علي أن عبدت بني إسرائيل أي: تدلي علي بهذه المنة لأنك سخرت بني إسرائيل، وجعلتهم لك بمنزلة العبيد، وأنا قد أسلمتني من تعبيدك وتسخيرك، وجعلتها علي نعمة، فعند التصور يتبين أن الحقيقة أنك ظلمت هذا الشعب الفاضل، وعذبتهم [ ص: 1216 ] وسخرتهم بأعمالك، وأنا قد سلمني الله من أذاك، مع وصول أذاك لقومي، فما هذه المنة التي تمت بها وتدلي بها؟!
(23 - 25 قال فرعون وما رب العالمين وهذا إنكار منه لربه، ظلما وعلوا، مع تيقن صحة ما دعاه إليه موسى، قال: رب السماوات والأرض وما بينهما ، أي: الذي خلق العالم العلوي والسفلي، ودبره بأنواع التدبير، ورباه بأنواع التربية، ومن جملة ذلك أنتم أيها المخاطبون، فكيف تنكرون خالق المخلوقات، وفاطر الأرض والسماوات إن كنتم موقنين فقال فرعون متجرهما ومعجبا لقوله: ألا تستمعون ما يقول هذا الرجل. (26 - 27) فقال موسى: ربكم ورب آبائكم الأولين تعجبتم أم لا، استكبرتم أم أذعنتم، فقال فرعون معاندا للحق، قادحا بمن جاء به: إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون حيث قال خلاف ما نحن عليه، وخالفنا فيما ذهبنا إليه، فالعقل عنده وأهل العقل من زعموا أنهم لم يخلقوا، أو أن السماوات والأرض ما زالتا موجودتين من غير موجد، وأنهم بأنفسهم خلقوا من غير خالق، والعقل عنده أن يعبد المخلوق الناقص من جميع الوجوه! والجنون عنده أن يثبت الرب الخالق للعالم العلوي والسفلي، والمنعم بالنعم الظاهرة والباطنة، ويدعى إلى عبادته، وزين لقومه هذا القول، وكانوا سفهاء الأحلام، خفيفي العقول فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين . (28) فقال موسى - عليه السلام - مجيبا لإنكار فرعون وتعطيله لرب العالمين: رب المشرق والمغرب وما بينهما من سائر المخلوقات إن كنتم تعقلون فقد أديت لكم من البيان والتبيين ما يفهمه كل من له أدنى مسكة من عقل، فما بالكم تتجاهلون فيما أخاطبكم به؟! وفيه إيماء وتنبيه إلى أن الذي رميتم به موسى من الجنون أنه داؤكم، فرميتم أزكى الخلق عقلا وأكملهم علما بالجنون، والحال أنكم أنتم المجانين، حيث ذهبت عقولكم عن إنكار أظهر الموجودات، خالق الأرض والسماوات وما بينهما، فإذا جحدتموه فأي شيء تثبتون؟! وإذا جهلتموه فأي شيء تعلمون؟! وإذا لم تؤمنوا به وبآياته، فبأي شيء - بعد الله وآياته - تؤمنون؟! تالله، إن المجانين الذين بمنزلة البهائم أعقل منكم، وإن الأنعام السارحة أهدى منكم.
[ ص: 1217 ] (29 - 33) فلما خنقت فرعون الحجة، وعجزت قدرته وبيانه عن المعارضة قال متوعدا لموسى بسلطانه لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين زعم - قبحه الله - أنه قد طمع في إضلال موسى، وأن لا يتخذ إلها غيره، وإلا فقد تقرر أنه هو ومن معه على بصيرة من أمرهم، فقال له موسى: أولو جئتك بشيء مبين أي: آية ظاهرة جلية على صحة ما جئت به من خوارق العادات، قال فأت به إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان أي: ذكر الحيات، مبين ظاهر لكل أحد، لا خيال ولا تشبيه، ونزع يده من جيبه فإذا هي بيضاء للناظرين أي: لها نور عظيم، لا نقص فيه لمن نظر إليها. (34 - 37 قال فرعون للملإ حوله معارضا للحق ومن جاء به: إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم موه عليهم - لعلمه بضعف عقولهم - أن هذا من جنس ما يأتي به السحرة؛ لأنه من المتقرر عندهم أن السحرة يأتون من العجائب بما لا يقدر عليه الناس، وخوفهم أن قصده بهذا السحر التوصل إلى إخراجهم من وطنهم؛ ليجدوا ويجتهدوا في معاداة من يريد إجلاءهم عن أولادهم وديارهم، فماذا تأمرون أن نفعل به؟ قالوا أرجه وأخاه أي: أخرهما وابعث في المدائن حاشرين جامعين للناس. يأتوك أولئك الحاشرون بكل سحار عليم أي: ابعث في جميع مدنك - التي هي مقر العلم، ومعدن السحر - من يجمع لك كل ساحر ماهر، عليم في سحره، فإن الساحر يقابل بسحر من جنس سحره، وهذا من لطف الله أن يري العباد بطلان ما موه به فرعون الجاهل الضال المضل أن ما جاء به موسى سحر، قيضهم أن جمعوا أهل المهارة بالسحر؛ لينعقد المجلس عن حضرة الخلق العظيم، فيظهر الحق على الباطل، ويقر أهل العلم وأهل الصناعة بصحة ما جاء به موسى، وأنه ليس بسحر. (38 - 40) فعمل فرعون برأيهم، فأرسل في المدائن من يجمع السحرة، واجتهد في ذلك وجد، فجمع السحرة لميقات يوم معلوم قد واعدهم إياه موسى، وهو يوم الزينة، الذي يتفرغون فيه من أشغالهم وقيل للناس هل أنتم مجتمعون أي: نودي بعموم الناس بالاجتماع في ذلك اليوم الموعود، لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين أي: قالوا للناس: اجتمعوا لتنظروا غلبة السحرة لموسى، وأنهم ماهرون في صناعتهم، فنتبعهم ونعظمهم، ونعرف فضيلة علم [ ص: 1218 ] السحر، فلو وفقوا للحق لقالوا: لعلنا نتبع المحق منهم، ونعرف الصواب، فلذلك ما أفاد فيهم ذلك إلا قيام الحجة عليهم.
(41 - 42 فلما جاء السحرة ووصلوا لفرعون قالوا له: أإن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين لموسى، قال نعم لكم أجر وثواب وإنكم إذا لمن المقربين عندي، وعدهم الأجر والقربة منه؛ ليزداد نشاطهم، ويأتوا بكل مقدورهم في معارضة ما جاء به موسى.
(43 - 45) فلما اجتمعوا للموعد، هم وموسى، وأهل مصر، وعظهم موسى وذكرهم وقال: ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى فتنازعوا وتخاصموا، ثم شجعهم فرعون، وشجع بعضهم بعضا، قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون أي: ألقوا كل ما في خواطركم إلقاؤه، ولم يقيده بشيء دون شيء؛ لجزمه ببطلان ما جاءوا به من معارضة الحق فألقوا حبالهم وعصيهم فإذا هي حيات تسعى، وسحروا بذلك أعين الناس، وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون فاستعانوا بعزة عبد ضعيف، عاجز من كل وجه، إلا أنه قد تجبر، وحصل له صورة ملك وجنود، فغرتهم تلك الأبهة، ولم تنفذ بصائرهم إلى حقيقة الأمر، أو أن هذا قسم منهم بعزة فرعون، والمقسم عليه أنهم غالبون، فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف تبتلع وتأخذ ما يأفكون فالتفت جميع ما ألقوا من الحبال والعصي؛ لأنها إفك وكذب وزور، وذلك كله باطل لا يقوم للحق ولا يقاومه.
(46 - 48) فلما رأى السحرة هذه الآية العظيمة تيقنوا - لعلمهم - أن هذا ليس بسحر، وإنما هو آية من آيات الله، ومعجزة تنبئ بصدق موسى، وصحة ما جاء به، فألقي السحرة ساجدين لربهم، قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون وانقمع الباطل، في ذلك المجمع، وأقر رؤساؤه ببطلانه، ووضح الحق، وظهر حتى رأى ذلك الناظرون بأبصارهم. (49 - 51) ولكن أبى فرعون إلا عتوا وضلالا وتماديا في غيه وعنادا، فقال للسحرة: آمنتم له قبل أن آذن لكم ، يتعجب ويعجب قومه من جراءتهم عليه، وإقدامهم على الإيمان من غير إذنه ومؤامرته، إنه لكبيركم الذي علمكم السحر هذا، وهو الذي جمع السحرة، وملؤه الذين أشاروا عليه بجمعهم من مدائنهم، وقد علموا أنهم ما اجتمعوا بموسى ولا رأوه قبل ذلك، وأنهم جاءوا من السحر بما [ ص: 1219 ] يحير الناظرين ويهيلهم، ومع ذلك، فراج عليهم هذا القول، الذي هم بأنفسهم وقفوا على بطلانه، فلا يستنكر على أهل هذه العقول أن لا يؤمنوا بالحق الواضح، والآيات الباهرة؛ لأنهم لو قال لهم فرعون عن أي شيء كان: إنه على خلاف حقيقته، صدقوه.
ثم توعد السحرة فقال: لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف أي: اليد اليمنى والرجل اليسرى، كما يفعل بالمفسد في الأرض، ولأصلبنكم أجمعين لتختزوا وتذلوا، فقال السحرة - حين وجدوا حلاوة الإيمان وذاقوا لذته -: لا ضير أي: لا نبالي بما توعدتنا به إنا إلى ربنا منقلبون إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا من الكفر والسحر وغيرهما أن كنا أول المؤمنين بموسى، من هؤلاء الجنود، فثبتهم الله وصبرهم.
فيحتمل أن فرعون فعل بهم ما توعدهم به؛ لسلطانه واقتداره إذ ذاك، ويحتمل أن الله منعه منهم. ثم لم يزل فرعون وقومه، مستمرين على كفرهم، يأتيهم موسى بالآيات البينات، وكلما جاءتهم آية وبلغت منهم كل مبلغ، وعدوا موسى وعاهدوه لئن كشف الله عنهم ليؤمنن به وليرسلن معه بني إسرائيل، فيكشفه الله، ثم ينكثون، فلما يئس موسى من إيمانهم، وحقت عليهم كلمة العذاب، وآن لبني إسرائيل أن ينجيهم من أسرهم، ويمكن لهم في الأرض، أوحى الله إلى موسى: أن أسر بعبادي ؛ أي: اخرج ببني إسرائيل أول الليل؛ ليتمادوا ويتمهلوا في ذهابهم. إنكم متبعون أي: سيتبعكم فرعون وجنوده، ووقع كما أخبر، فإنهم لما أصبحوا وإذا بنو إسرائيل قد سروا كلهم مع موسى.
(53 - 56 فأرسل فرعون في المدائن حاشرين يجمعون الناس؛ ليوقع ببني إسرائيل، ويقول مشجعا لقومه: إن هؤلاء أي: بني إسرائيل لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون ونريد أن ننفذ غيظنا في هؤلاء العبيد الذين أبقوا منا، وإنا لجميع حاذرون أي: الحذر على الجميع منهم، وهم أعداء للجميع، والمصلحة مشتركة. (57 - 59) فخرج فرعون وجنوده في جيش عظيم، ونفير عام، لم يتخلف منهم سوى أهل الأعذار، الذين منعهم العجز، قال الله تعالى: فأخرجناهم من جنات وعيون أي: بساتين مصر وجناتها الفائقة، وعيونها المتدفقة، وزروع قد ملأت أراضيهم، وعمرت بها حاضرتهم وبواديهم، ومقام كريم يعجب الناظرين، ويلهي المتأملين، تمتعوا به دهرا طويلا، وقضوا بلذته وشهواته عمرا مديدا على الكفر [ ص: 1220 ] والفساد، والتكبر على العباد والتيه العظيم، كذلك وأورثناها أي: هذه البساتين والعيون والزروع والمقام الكريم بني إسرائيل الذين جعلوهم من قبل عبيدهم، وسخروا في أعمالهم الشاقة، فسبحان من يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء، ويعز من يشاء بطاعته ويذل من يشاء بمعصيته.
(60 -62 فأتبعوهم مشرقين أي: اتبع قوم فرعون قوم موسى وقت شروق الشمس، وساقوا خلفهم محثين على غيظ وحنق قادرين، فلما تراءى الجمعان أي رأى كل منهما صاحبه، قال أصحاب موسى شاكين لموسى وحزنين إنا لمدركون فقال موسى مثبتا لهم ومخبرا لهم بوعد ربه الصادق: كلا أي: ليس الأمر كما ذكرتم، أنكم مدركون، إن معي ربي سيهدين لما فيه نجاتي ونجاتكم.
(63 - 68 فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق اثني عشر طريقا فكان كل فرق كالطود أي: الجبل العظيم فدخله موسى وقومه، وأزلفنا ثم في ذلك المكان الآخرين أي فرعون وقومه، قربناهم وأدخلناهم في ذلك الطريق، الذي سلك منه موسى وقومه، وأنجينا موسى ومن معه أجمعين استكملوا خارجين، لم يتخلف منهم أحد، ثم أغرقنا الآخرين لم يتخلف منهم عن الغرق أحد، إن في ذلك لآية عظيمة، على صدق ما جاء به موسى عليه السلام، وبطلان ما عليه فرعون وقومه، وما كان أكثرهم مؤمنين مع هذه الآيات المقتضية للإيمان؛ لفساد قلوبكم، وإن ربك لهو العزيز الرحيم بعزته أهلك الكافرين المكذبين، وبرحمته نجى موسى ومن معه أجمعين.