ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب
(38 ) أي : لست أول رسول أرسل إلى الناس حتى يستغربوا رسالتك . فقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية : فلا يعيبك أعداؤك بأن يكون لك أزواج وذرية كما كان لإخوانك المرسلين ؛ فلأي شيء يقدحون فيك بذلك وهم يعلمون أن الرسل قبلك كذلك; إلا لأجل أغراضهم الفاسدة وأهوائهم ، وإن طلبوا منك آية اقترحوها ؛ فليس لك من الأمر شيء ، فما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله : والله لا يأذن فيها إلا في وقتها الذي قدره وقضاه ، لكل أجل كتاب : لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه ، فليس استعجالهم بالآيات أو بالعذاب موجبا لأن يقدم الله ما كتب أنه يؤخر ، مع أنه تعالى فعال لما يريد .
(39 يمحو الله ما يشاء : من الأقدار ويثبت : ما يشاء منها ، وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمه وكتبه قلمه فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير ؛ لأن ذلك محال على الله أن يقع في علمه نقص أو خلل ، ولهذا قال : وعنده أم الكتاب : أي : اللوح المحفوظ الذي ترجع إليه سائر الأشياء ؛ فهو أصلها ، وهي فروع له وشعب ؛ فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب ؛ كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملائكة ، ويجعل الله لثبوتها أسبابا ولمحوها أسبابا ، لا تتعدى تلك الأسباب ، ما رسم في اللوح المحفوظ ؛ كما جعل الله البر والصلة والإحسان من أسباب طول العمر وسعة الرزق ، وكما جعل المعاصي سببا لمحق بركة الرزق والعمر ، وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب سببا للسلامة ، وجعل التعرض لذلك سببا للعطب ؛ فهو الذي يدبر الأمور بحسب قدرته وإرادته ، وما يدبره منها لا يخالف ما قد علمه وكتبه في اللوح المحفوظ .