الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار
[ ص: 851 ] (32 ) يخبر تعالى أنه وحده الذي خلق السماوات والأرض على اتساعهما وعظمهما، وأنزل من السماء ماء وهو: المطر الذي ينزله الله من السحاب، فأخرج بذلك الماء من الثمرات المختلفة الأنواع رزقا لكم ورزقا لأنعامكم وسخر لكم الفلك أي: السفن والمراكب، لتجري في البحر بأمره فهو الذي يسر لكم صنعتها وأقدركم عليها، وحفظها على تيار الماء لتحملكم، وتحمل تجاراتكم وأمتعتكم إلى بلد تقصدونه.
وسخر لكم الأنهار لتسقي حروثكم وأشجاركم وتشربوا منها.
(33 وسخر لكم الشمس والقمر دائبين لا يفتران، ولا ينيان، يسعيان لمصالحكم من حساب أزمنتكم ومصالح أبدانكم وحيواناتكم وزروعكم وثماركم، وسخر لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا لتبتغوا من فضله.
(34 وآتاكم من كل ما سألتموه أي: أعطاكم من كل ما تعلقت به أمانيكم وحاجتكم مما تسألونه إياه بلسان الحال، أو بلسان المقال، من أنعام، وآلات، وصناعات وغير ذلك.
وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها فضلا عن قيامكم بشكرها إن الإنسان لظلوم كفار أي: هذه طبيعة الإنسان من حيث هو ظالم متجرئ على المعاصي مقصر في حقوق ربه، كفار لنعم الله، لا يشكرها ولا يعترف بها إلا من هداه الله فشكر نعمه، وعرف حق ربه وقام به.
ففي هذه الآيات من أصناف نعم الله على العباد شيء عظيم، مجمل ومفصل يدعو الله به العباد إلى القيام بشكره وذكره، ويحثهم على ذلك، ويرغبهم في سؤاله ودعائه، آناء الليل والنهار، كما أن نعمه تتكرر عليهم في جميع الأوقات.