ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا
(23) هذا النهي كغيره، وإن كان لسبب خاص، وموجها للرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإن الخطاب عام للمكلفين، فنهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة، إني فاعل ذلك من دون أن يقرنه بمشيئة الله، وذلك لما فيه من المحذور، وهو: الكلام على الغيب المستقبل، الذي لا يدري هل يفعله أم لا؟ وهل تكون أم لا؟ وفيه رد الفعل إلى مشيئة العبد استقلالا، وذلك محذور محظور؛ لأن المشيئة كلها لله وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ولما في ذكر مشيئة الله من تيسير الأمر وتسهيله، وحصول البركة فيه، والاستعانة من العبد لربه. [ ص: 956 ] (24) ولما كان العبد بشرا لا بد أن يسهو عن ذكر المشيئة أمره الله أن يستثني بعد ذلك، إذا ذكر؛ ليحصل المطلوب، ويندفع المحذور، ويؤخذ من عموم قوله: واذكر ربك إذا نسيت الأمر بذكر الله عند النسيان، فإنه يزيله، ويذكر العبد ما سها عنه، وكذلك يؤمر الساهي الناسي لذكر الله أن يذكر ربه، ولا يكونن من الغافلين، ولما كان العبد مفتقرا إلى الله في توفيقه للإصابة وعدم الخطأ في أقواله وأفعاله أمره الله أن يقول: عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا فأمره أن يدعو الله ويرجوه، ويثق به أن يهديه لأقرب الطرق الموصلة إلى الرشد. وحري بعبد تكون هذه حاله، ثم يبذل جهده، ويستفرغ وسعه في طلب الهدى والرشد، أن يوفق لذلك، وأن تأتيه المعونة من ربه، وأن يسدده في جميع أموره.