وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون
[ ص: 1066 ] (36) وهذا من شدة كفرهم، فإن المشركين إذا رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استهزأوا به وقالوا: أهذا الذي يذكر آلهتكم ؛ أي: هذا المحتقر بزعمهم، الذي يسب آلهتكم ويذمها، ويقع فيها، أي: فلا تبالوا به، ولا تحتفلوا به، هذا استهزاؤهم واحتقارهم له، بما هو من كماله، فإنه الأكمل الأفضل الذي من فضائله ومكارمه إخلاص العبادة لله، وذم كل ما يعبد من دونه وتنقصه، وذكر محله ومكانته، ولكن محل الازدراء والاستهزاء هؤلاء الكفار، الذين جمعوا كل خلق ذميم، ولو لم يكن إلا كفرهم بالرب وجحدهم لرسله فصاروا بذلك من أخس الخلق وأرذلهم، ومع هذا، فذكرهم للرحمن - الذي هو أعلى حالاتهم - كافرون به؛ لأنه لا يذكرونه ولا يؤمنون به إلا وهم مشركون، فذكرهم كفر وشرك، فكيف بأحوالهم بعد ذلك؟ ولهذا قال: وهم بذكر الرحمن هم كافرون وفي ذكر اسمه الرحمن هنا بيان لقباحة حالهم، وأنهم كيف قابلوا الرحمن - مسدي النعم كلها، ودافع النقم الذي ما بالعباد من نعمة إلا منه، ولا يدفع السوء إلا إياه - بالكفر والشرك.
(37) خلق الإنسان من عجل ؛ أي: خلق عجولا يبادر الأشياء، ويستعجل بوقوعها، فالمؤمنون يستعجلون عقوبة الله للكافرين ويتباطؤونها، والكافرون يتولون ويستعجلون بالعذاب؛ تكذيبا وعنادا، ويقولون: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين والله تعالى يمهل ولا يهمل، ويحلم ويجعل لهم أجلا مؤقتا " إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " ولهذا قال: سأريكم آياتي ؛ أي: في انتقامي ممن كفر بي وعصاني فلا تستعجلون ذلك. (38) وكذلك الذين كفروا يقولون: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قالوا هذا القول اغترارا، ولما يحق عليهم العقاب، وينزل بهم العذاب.
(39) فلو يعلم الذين كفروا حالهم الشنيعة حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم، إذ قد أحاط بهم من كل جانب وغشيهم من كل مكان ولا هم ينصرون ؛ أي: لا ينصرهم غيرهم، فلا نصروا ولا انتصروا.
(40) بل تأتيهم النار بغتة فتبهتهم من الانزعاج والذعر والخوف العظيم. فلا يستطيعون ردها إذ هم أذل وأضعف من ذلك. ولا هم ينظرون ؛ أي: يمهلون، فيؤخر عنهم العذاب، فلو علموا هذه الحالة حق المعرفة لما استعجلوا [ ص: 1067 ] بالعذاب، ولخافوه أشد الخوف، ولكن لما ترحل عنهم هذا العلم قالوا ما قالوا. (41) ولما ذكر استهزاءهم برسوله بقولهم: أهذا الذي يذكر آلهتكم سلاه بأن هذا دأب الأمم السالفة مع رسلهم فقال: ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ؛ أي: نزل بهم ما كانوا به يستهزئون ؛ أي: نزل بهم العذاب، وتقطعت عنهم الأسباب، فليحذر هؤلاء أن يصيبهم ما أصاب أولئك المكذبين.